/ صفحه 130/
قبل السؤال عن الروح والآيات الواردة بعده في وصف القرآن والحديث عنه كان من اللائق حمل الروح المسئول عنها على القرآن. إذ هو الذي ظهر على يد محمّد وأحدث في نفوسهم ما أحدث، ولم يأتهم محمد معلنا أنه معلم للحقائق الكونية والشئون الطبيعية التي خلقها الله، أو الأسرار الإلهية التي أودعها في خلقه، ولقد كانت أول كلمة وجهت إليه ((قم فأنذر)) وتوالت الآيات التي تحدد مهمته التبليغ عن ربه والإنذار والتبشير. ومن هذا كله ترجح لدينا حمل الروح المسئول عنها في سورة الإسراء على القرآن الكريم.
قواعد تشريعية مستنبطة من الأسئلة وأجوبتها:
وبالنظر في الأسئلة التي وجهها المسلمون إلى الرسول في مدة التشريع نجدها لا تتجاوز اثنى عشر، آخرها في الوجود السؤال عن الأنفال، وبالتأمل فيها وفي أجوبتها في القرآن الكريم نجدها قد اشتملت على مبادىء توجيهية وقواعد تشريعية يجدر بنا أن نقف عليها.
السؤال عن الأحكام لا عن الحقائق الكونية:
وأول ما يقبين لنا من ذلك أنها كانت تتعلق دائماً بالأحكام فيها يحتاج إليه الناس في خيرهم وسعادتهم على الوجه الذي يرضى الله ويقربهم إليه، وأنه لا يوجد شيء منها يتجه إلى بيان الحقائق الكونية، حتى أن ما كان منها يدل بظاهره على طلب ذلك قد صرف القوم بالإجابة عنه إلى الجهة التي تنفعهم، وينبغي أن يسألونا عنها، ذلك كما روي في السؤال عن الأهلة أنهم كانوا يسألون عن علة بدوّ الهلال صغيرا، ونموه شيئاً فشيئاً إلى أن يتكامل ثم عودته إلى الاتنقاص إلى أن يختفي، فجاء الجواب يرشدهم إلى الحكمة في الخلق على هذا الوجه، وأنها مما يرجع إلى فائدتهم من جهة أن الأهلة مواقيت يعرفون بها أوقات الصوم، والحج، وعِدَد النساء وآجال العقود، ولاريب أن التوقيت بها يسهل على الناس جميعا فهي موافقة لهم فيما يضربون له آجالا، وليس ذلك متحققاً بالنسبة للسنة الشمسية التي لا تعرف إلا بالحساب، ولا ينتفع بالتوقيت بها إلا الحاسبون.