/ صفحه 128/
أكثر الأسئلة الواردة في الأحكام العملية:
وقد دل مجئ أكثرها في الأحكام على شدة حرصهم في تحرى الحق الذي يرضى الله ويكون له أثر صالح في حياتهم وبخاصة الحياة الشخصية والاجتماعية.
انظر سؤالهم عن الإنفاق مرتين، وعن الخمر والميسر، وعن اليتامى، والمحيض، وعن النساء، وعن ماذا أحل لهم، وعن الأنفال، وهي كلها شئون عملية لها نفعها في الحياة، وهذا شأن المؤمن يتطلب سبل العمل فيتجه إلى معرفة ما يحل ويحرم، ومعرفة ما يضر وينفع، فيسأل ليعلم إن كان جاهلا أو ليتيقن إن كان مترددا.
أما الاشتغال بالسؤال عن النظريات البحث التي لا يتعلق بها نفع في الدنيا ولا ثواب في الآخرة، فهذا ليس من شأن المؤمنين العاملين، فلا ينبغي أن يسأل عن الروح بعد مفارقتها للأجساد أين تكون؟ وماذا تعمل؟ ولا ينبغي أن يسأل عن كيفية عذاب القبر أللجسم وللروح فقط؟ وهل بحياة كاملة أو ناقصة؟ ولا ينبغي أن يسأل عن كيفية الميزان، ولا كيفية الوزن، ولا عن الموزون، ولا عن أرض الجنة، ولا عن سمائها، وما إلى ذلك مما شغل به المسلمون أنفسهم، وملأ كثير من علمائهم به كتبهم، وصرفوا به النّاس عن معرفة الخير وعمل الخير.
أما ما جاء من الأسئلة عن غير الأحكام فمنها السؤال عن الأهلة وهو ظاهر أنه سؤال عن فائدتها، ولا ريب أن لها ارتباطاً كما جاء في الجواب بحياتهم العملية، فبها يرتبط الصوم والحج وعدة النساء وآجال العقود فإن التوقيت بها يسيرٌ على الناس جميعاً: بدو وحَضَر فهي مواقيت لجميع النّاس، أما السنة الشمسية فإن شهورها لا تعرف إلا بالحساب، ولا تصلح توقيتاً إلا للحاسبين، والقرآن يرشد إلى الوسائل الطبيعية التي نعم الناس أجمعين بمقتضى طبيعتهم، لا مقتضى تقدمهم وارتقائهم، فإن تقدموا وارتقوا إلى معرفة إلى معرفة وسائل أخرى تؤدى ما تؤديه الوسائل الطبيعية فلا عليهم أن يتعلقوا بها، وبخاصة إذا ذاعت رعمت وارتبط بها أغلب النّاس في المعاملات.