/ صفحه 126/
ليس القرب بمعنى العلم:
وليس القرب الإلهى قرب مكان ـ سبحانه ـ فنسبة الأمكنة والأزمنة وما فيها إليه واحدة، فهو تعالى قريب من كل شيء; إذ منه كل شيء. وإليه كل شيء وليس القرب مجرد العلم بكل شيء فالله قال: ولكن لا تبصرون، ولم يقل: ولكن لا تعلمون. والذي من شأنه أن يُبصر إنما هو الذات لا العلم.
ولعل في ذلك أقوى رادع لمن يتخذون الوسطاء والشفعاء بينهم وبين الله، فيدعونهم ليقربوهم إليه، ويتجهون إليهم ليغفر لهم، ولينظروا قوله بعد: ((أجيب دعوة الداع إذا دعان)) فلا نيابة ولا مساعدة، ولا وساطة، فهو قريب يجيب دعوة الداعى إذا دعاه. كما أن الآية تقف برفع الصوت في الدعاء والتكبير الى الحد الذي طلبه الشارع.
الحكمة في تصدير الجواب بالفاء مع عدم الشرط:
أما مجئ ((الفاء)) في خصوص قوله تعالى: ((ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا)) مع التجرد منها فيما عداها فقال بعض المفسرين: إنما جاءت الفاء هنا لأن السؤال لم يقع، وعليه يكون المعنى: إذا سألوا عن الجبال فقل.
وخير منه أن يقال: إن مجئ الفاء في هذا المقام دل على طلب سرعة الإجابة أي أجب ولا تمهل حتى لا تذهب بهم الشكوك في أمر هو من أصول الدين، وهو البعث، وذلك لما في دلالة الفاء على التعقيب والمباشرة.
أسلوب الجواب عن سؤال الساعة في ((النازعات)):
أما مجئ الجواب عن سؤال الساعة في سورة النازعات على غير أسلوب الجواب فلعل سببه يرجع إلى أن هذا السؤال صدر منهم أولا، وجاء جوابه بالأسلوب المعتاد في سورة الأعراف ((يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربى))... إلخ ما جاء، وكان الجواب واضحاً جلياً في أن الله قد استأثر بعلمها ولا شأن للرسول بها، فلم يكن سؤالهم عن ذلك مرة أخرى إلا نوعا من المناد والمكابرة، فجاء الجواب على أسلوب من التهكم والتبكيت والتجهيل لهم بوظيفة الرسول ويدل عليه قوله بعد:
((إلى ربك منتهاها، إنما أنت منذر من يخشاها)).