/ صفحه 125/
أما السؤال فهو طلب معرفة المجهول ليعرف أو ما وقع فيه الشك والتردد بين وجوه مختلفة ليتعين الوجه المطلوب، وخُص تبيين المشكل باسم الفُيّا، لأنه بالبيان يقوى ويبرز ويأخذ من الفتى شبابه وقوته، فكأنه يقوى ويشب ويصير فتياً قوياً.
ولعلنا بعد هذا إذا نظرنا في موضوعى ((يستفتونك)) الواردة في النساء وقارناها بموضوعات ((يسألونك)) الواردة في بقية سور القرآن تظهر لنا الحكمة جلية في استعمال كلمة ((يستفتونك)) في هذين الموضوعين المتعلقين بالأسرة ومشاكلها وحقوقها، واستعمال يسألونك في غيرهما مما كان المطلوب فيه مجرد المعرفة.
أما مجيئ كلمة ((قل في صدر الجواب فهو الأصل، وهي تُحدد معنى الرسالة بين الله والعباد كما تحقق الأمر بأداء الرسول وحى الله إلى عباده.

الحكمة في خلو الجواب من كلمة قل في السؤال عنه سبحانه:
أما خلو قوله تعالى ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب)) من كلمة ((قل)) وهي الموضوع الوحيد الذي لم يصدَّر فيه الجواب بها فللدلالة على رفع الوساطة بين العباد السائلين وبين المسئول عنه ـ ربهم وخالقهم ـ وقد قال الرازي في هذا المقام كلمة لها سر عظيم في تصور العلاقة بين الله والعباد. قال:

((كأنه سبحانه وتعالى ـ بعدم الإتيان بكلمة ((قل)) في هذا المقام ـ يقول: يا محمّد إذا سئلت عن غيري فكن أنت المجيب وقل كذا وكذا، وإذا سئلت عني فاسكت لأكون أنا القائل.
نعم هو قريب ((ونقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد))، ((فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون)).
((قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه)).