/ صفحه 119/
الحكمة في مخالفة الترتيب الواقعي للحوادث:
ولأهمية هذا الموضوع في حياة المؤمنين بدأت به السورة وإن اختلافهم في قسمة الأنفال متأخراً في الوجود عن اختلافهم في الخروج إلى بدر، وقتال الأعداء. وقد عرفنا من سنة القرآن في ذكر القصص والوقائع أنه لا يعرض لها مرتبةً حسب وقوعها. وذلك لأنه لا يذكرها على أنها تاريخ يعين لها الوقت والمكان، وإنما يذكرها لما فيها من العبر والمواعظ، وما تتطلبه من الأحكام والحكم، ونجد نظائر لذلك في القرآن منها: قصة البقرة التي أمر فيها موسى قومه أن يذبحوا بقرة فقد أخِّر فيها سبب ذلك الأمر وقُدم الأمر بذبح البقرة في النظم القرآني على ذلك السبب، إبرازاً من أوّل الأمر وقُدم الأمر بذبح البقرة في النظم القرآني على ذلك السبب، إبرازاً من أوّل الأمر لموقف القوم من موسى وأن من شأنهم العناد والمكابرة في كل شئ حتى فيما يختص بجسم النزاع والخلافه الذي يقع بينهم، انظر قوله تعالى في سورة البقرة: ((وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة)) إلى آخر موقفهم أمام هذا الأمر حيث قالوا: ((الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون)) انظر هذا مع قوله بعد في سبب هذا الأمر وهي الجريمة التي وقعت فيما بينهم واختلفوا في فاعلها ((وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون، فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون)).

براعة مطلع:
على أن في موضوعنا هذا فائدة أخرى للبدء بمسألة الأنفال وهي المسارعة من أوّل الأمر بنتائج النصر الذي كفله الله للمؤمنين، وليس من تربية النفوس أن نبدأ الكلام معها بما يدلعلى الاضطراب والفزع والتردد أمام وسائل العزة والشرف متى وجد لهم بجانب هذا التردد ما يدل على مواقف الشرف والكرامة، فجاء البدء بالحديث عن الأنفال أشبه بما يقولون من ((براعة المطلع)) التي تشوق السامع وتدفعه إلى التحلى بالأوصاف المذكورة للمؤمنين حتى يفوزوا بالنصر والغلب.