/ صفحه 120/
ولا كذلك إذا بدئت بعلاج تثاقلهم في الخروج إلى الغزوة وانظر كيف يكون وقع المطلع إذا جاء على هذا الوجه؟: ((كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون، يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون)).
لا ريب أنه مطلع شديد الوقع على النفوس يصور علاقة المؤمنين بنبيهم في صورة يأباها إيمانهم به وامتثالهم لأمره. يصورهم في شقاق واختلاف مع قائدهم ورسولهم، وبصورهم في ثوب الكراهة الشديدة لمعالى الأمور وعز الحياة لهذا كله جاء ذلك الأسلوب في سردالوقائع غير مكترث بمخالفة ترتيبها في الوجود الخارجي.
النظرة إلى قصص القرآن:
ويجب أن ينظر إلى قصص القرآن في جميع موارده هذه النظرة فلا يعاب على القرآن إهمال الأماكن والأشخاص فيما يقص، ولا إهمال الترتيب بين الحوادث فإن هذا وذاك من شأن المؤرخ الذي يعني بالقصص كتاريخ لا كعظات وعبر. أما القرآن فليس كتاب تاريخ، وإنما هو كتاب هداية وإرشاد يذكر تارة القصة، ويشير إلى بعض وقائعها في موضع، ويشير إلى البعض الآخر في موضع آخر، ويستقصى مرة، ويقتصر أخرى، وهكذا يفرق القصص، ويفرق القصة الواحدة في أماكن متعددة وفي سور مختلفة باعتبار المناسبات والعبر التي يدعو إليها المقام الذي يتحدث فيه، ومن هنا نرى أن القصة الواحدة قد تذكر على وجوه مختلفة في أماكن متعددة مختلفة بين الطول والقصر، والإجمال والتفصيل، والاقتصار والإكمال.
((يسألونك)) في القرآن:
بدئت هذه السورة بكلمة ((يسألونك)) فدل ذلك على أن ما نضمنته الآيات بعدها جاء جوابا عن سؤال توجهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم (صلى الله عليه وسلم) في شأن الأنفال، وقد دعانا ذلك إلى تتبع الكلمة ((يسألونك)) في القرآن الكريم فوجدناه يحتوى على عدة من الأسئلة الموجهة الى الرسول والأجوبة التي نزلت بمناسبة هذه الأسئلة. وقد رأينا أن نستطرد في هذا المقام ونعرض لها ولو على سبيل الإجمال لفتاً للأنظار إليها وتنبيهاً على أسلوب القرآن فيها، وإرشاداً لما تضمنته من أحكام وحكم ومعان لها في حياة المؤمن الخاصة والعامة مالها من أثر حسن، وتوجيه قيم مفيد.