/ صفحه 11/
لم يكن لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين معه بد من أن يقدروا هذه الظروف كلها، وأن يذكروا المستضعفين في مكة، وأن يذكروا أوطانهم وأموالهم، وأن يذكروا أن دعوتهم ـ وهي دعوة الحقّ ـ يحب أن تنشر، وأن يعودوا بها إلى مكة وأن يطهروا بيت الله من الأصنام والأوثان، وأن يفسحوا المجال أمام الدعوة حتى تسري وتعم ما أمر الله.
آية الإذن بالقتال:
قدر محمد كل هذه الظروف وتكاملت أسباب الحيطة والحذر فأذن الله لهم فى الحرب. وجاء الإذن لها فى آية تحمل أسبابها (أذن للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربنا الله ولو لا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) جاء الإذن في هذه الآية الكريمة بالقتال ولم تعلله بنشر الإسلام أو إلجاء النّاس إليه، وإنما عللته بما وقع على المسلمين من ظلم وما أكرهوا عليه من الهجرة والخروج من ديارهم من غير حق إلا أن يقولوا كلمة الحق، ثم لا تقف الآية الكريمة عند هذا الحد، بل تبين أن هذا الإذن موافق لما تقضى به سنة التدافع بين الحقّ والباطل حفظاً للتوازن ودرءاً للطغيان، وتميكناً لأرباب الخير والصلاح من التمسك بعقائدهم وأداء عبادتهم، ثم ترشد إلى أن الله إنما ينصر بمقتضى سنته من ينصره ويتقيه فلا يتخذ الحرب أداة للتخريب والإفساد، ولا يترك عوامل الشهوات والمطامع تخرب وتدمر وأنه لا ينصر إلا من إذا تمكن في الأرض قام بحق الله وحق العباد وحق المجتمع.