/ صفحه 10/
وهنا سُقِط في أيدى المشركين، واشتد حنقهم على المسلمين وأخذوا يتحينون الفرص للكيد للهاجرين وإخوانهم في المدينة ويصبون العذاب من جهة أخرى على المؤمنين المستضعفين الذين لم يجدوا سبيلا إلى الهجرة من مكة.

هذه مراحل الدعوة، وهذه مواقف المشركين من محمد وصحبه ولو أنهم تركوه يقوم بدعوته فيؤمن بها من يؤمن، ويصدف عنها من يصدف، ولم يعنفوا عليه وعلى متبعيه، ولم يُضيقوا عليهم حتى يخرجوهم من ديارهم، ويحرموهم من أوطانهم التي شبوا بها وترعرعوا ـ وحب الأوطان لاصق بالنفوس ـ ولو لم يحولوا بينهم وبين بيت الله الحرام الذي كان محل تقديس عام من العرب، وتقديس خاص من المؤمنين، نقول: لو أنهم تركوا المسلمين وشأنهم هكذا لما
أريقت قطرة من دم، ولا انتشرت دعوة الإسلام بما تحمل في طبيعتها من قوة ووضوح وجلاء، وبما تجد من إقبال الطبائع المستقيمة عليها، ولو أن محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم) قبع بعد الهجرة في المدينة والأنباء تأتيه بما يدبر له القوم، وبما يتربصون به وبأصحابه من الإغارة عليهم في المدينة، ومحاولة أن يطاردوهم منها كما طاردوهم من مكة ـ نقول: لو أنه(صلى الله عليه وآله وسلم) قبع في المدينة ولم تبد منه أمارات القوة والحيطة والحذر والتهيؤ لرد العدوان لما استقامت له دعوة، ولفاجئوه في عقر داره.