/صفحة 95/
هم أنفسهم، على سعة علمهم وجزالة قدرهم، قد اختلفوا في ذلك، ولم يجمعوا على توثيق سلسلة من الرواة وتوهين من عداهم. فقد لعبت الأهواء السياسية، وفعل التعصب المذهبي، في عصور النقدة أنفسهم، طبعهما وفعنهما في عصور وضاع الحديث لذات الغايات والأهواء.
فليس على المسلمين اليوم، بل وفي كل عصر ومصر، الا أن يجمعوا على ما أجمع عليه السلف الصالح من أن القرآن الكريم هو وحده الدستور الالهي الأول، المحفوظ من التغيير والتبديل، وأن السنة الصحيحة الثابتة هي ما تتسق وأحكامه فتفرع منها ولا تخالفها لا أصلاً ولا فرعاً: فلا يجوز لنا مهما كان سند الحديث قوياً أن نأخذ به أبدا اذا وضحت مخالفته للنص القرآني. كما لا يجوز رفض الحديث واطراحه اذا لم يعارض أحكام النص الواضحة، بل يجتهد لاعتباره تفريعا عن أصل من أحكام القرآن، ربما ظهر للسلف الصالح فعملوا به وخفى علينا. فنحن لا نرده عليهم بل نرده اليهم، دون أن نعطيه قوة الحديث الموافق للنص الكريم. واننا لنريا بالاستاذ البحاثة المحب للحقيقة كائنة حيث كانتن أن يعتبر العصمة عن الخطأ والهوى في السلف الصالح من نقاد الحديث، الذين نكبر فيهم اجتهادهم، ونشكر لهم جهدهم، ونحمد الله على ما خلدوه لنا من عمل مبرور في تصنيف الأحاديث النبوية ورواتها. ولكننا لا نعتبر أن عملهم بلغ حد الكمال فنسد على أنفسنا باب الاجتهاد والتبصر والمقارنة الذي فتحوه هم أنفسهم على مصراعيه أمامنا لنتأسى بهم ونتتبع خطواتهم الموفقة فنسير بجهدهم إلى مراتب أكمل. وخاصة في هذا العصر الذي خف فيه لدى المسلمين ضغط التعصبات المذهبية الضيقة بما لقوا جميعاً من آثارها ونتائجها المذلة والمحمدة للفكر، وفتحوا أعينهم وأصاخوا بمسامعهم في جميع أمصارهم إلى دعوة التقارب التي تقوم بها "جماعة التقريب" في تأدية رسالة الإسلام الشريفة على صفحات مجلتها الغراء وفي مختلف مناحى النشاط الفكري والديني.
والله الموفق إلى ما به الصلاح والفلاح في الدارين.