/صفحة 94/
على كتاب الوحي قرآنا، واذا تلقناه تعليما غير معجز نقله إلى المسلمين ـ حديثاً من أحاديثه النبوية التي تلى القرآن بحكمها وبلاغتها.
وبعد هذا نخلص إلى ما أورده الأستاذ حموده من القواعد لمعرفة الموضوع من الأحاديث. فنجد أولاها تدعم صحة الحديث الأول وتؤكده، لأنه اذا جاز اعتبار الحديث موضوعا لتعارضه مع واقعة تاريخية معروفة فمن الأولى جزما أن يعتبر موضوعا لمخالفته كتاب الله أو لعدم موافقته له. لأن الحادثة التاريخية يجوز فيها، جوازاً اقتراضياً، أن تكو مكذوبة. وأما الأحكام القرآنية فلا يوجد مسلم مؤمن يرتاب بصحتها أو بصدقها أو بحفظها من التحريف والتبديل: "انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون".
ونج القاعدة الثانية تساند الحديث الذي يزعم وضعه، لأنه لا يصح لدى أهل المعرفة أن يجوزوا توهين الحديث اذا كان مخالفاً للعقل ثم يمنعوا الارتياب فيه اذا كان مخالفا للقرآن. ثم كيف يمكن اعتبار الحديث موضوعا اذا كان يخالف التعاليم الإسلامية ولا يمكن اعتباره موضوعا اذا خالف كتاب الله. وهل للتعاليم الإسلامية مصدر أقوى أو أصح من كتاب الله بل هل لها مصدر غيره وهو ينبوعها الأصفى وركنها الأول ومستندها الأوحد.
وأخيراً فاني لأرجو من الأستاذ حمودة أن يعود إلى ما كتب فيتدبره بما نعرفه فيه من روح الغيرة على الرسالة الإسلامية والايمان بأن القرآن الشريف هو الينبوع الالهي الذي استقى منه الرسول الأعظم سنته الواضحة ونقلها إلى المسلمين بأمانة وتفهم عميق. فلا يجوز البتة أن تخالف أحاديثه مضمون الكتاب ولا شيئا من أحكامه. ولعله يجد بعد ذلك أن الحديث الأول إنّما هو نبراس يستضيء به المؤمن ومعيار لا يتطرق إليه الشك لمعرفة صحيح الأحاديث وثابتها من مختلفها وزائفها. وبدونه لا يكفى حرص نقدة الحديث على غربلة الرواة ومعرفة قويهم من ضعيفهم وتوثيقهم من توهينهم. اذا لا ينبغي للعارف البصير أن يجزم بأن كل من وثقه نقدة الحديث هو وحده الموثوق، ولا كل من وهنوه هو وحده الضعيف الواهن. لأنهم