/صفحة 79/
وليس من الرجعية في شيء الرجوع في تحديد مفهوم الاجتهاد إلى مناقشة السلوك الاجتهادي في الصدر الاول، وانما هو الحرية المساعدة على تصحيح هذا المفهوم وفق الرأي الأصوب في مصدره، وتيسيره مستقيما للارتقاء به ومنه في يومنا الحاضر، أما ما يخشى فهمه من الاجترار الطائفي العفن فلا يسبق الا إلى أذهان الجامدين والمرضى والمجرورين بحروف الاستعمار، فالواعون من العرب والمسلمين، المنادون بالوحدة هنا وهناك، تحرروا من عصبيات التاريخ، وعادوا أمة واحدة، فهم لا يرون التاريخ الا من زاويته العلمية بوصفه اختباراً يقدم لهم التجارب من ماضين ليفيدوا من حسناته ايجابا، ومن مساوئه سلباً في بناء الحاضر والمستقبل، أما أحداثه التي كانت تفصل قمصان عثمان، وتستخرج منها تيارات عاطفية تلبسها لباس العقائد والافكار فقد مضت مع مراحلها، ومن عرض لها الآن منا فانما يقصد إلى تحقيق تاريخي يعرف بسيرنا في مراحل الصراع في سبيل اصلاح الخطأ، لا لتعميقه، وفي سبيل حصر هذا الاصلاح في الحاضر، وانمائه في المستقبل لا في ماض انقضى فلا سبيل إلى عودته.
ان ما أحرزه العرب والمسلمون من الادراك والرشد يكافىء تقدم المرحلة أو يكاد، وهي درجة من اتساع الذهن تكفى لتدارس هذه المشكلة بروح موضوعي حر يعيد الينا معنويات تفكيرنا المستقل في تبادله، المرتبط بأسسنا الحضارية التي كفت عن العطاء لأسباب معروفة، وبحث النص والاجتهاد من دور التأسيس إلى دور التقنين ليس اتجاهاً وراثياً ـ كما قلنا ـ اذا جرد من الاحقاد، والاغراض، وانما هو تأكيد للاتجاه الحديث باتجاه قديم يحتوى محركا ديناميكيا أصيلا في تركيبنا العقلي التقدمي المنفتح المنتج الفعال … انه وصل لتحركنا المتدفق بحركاتنا قبل أن يحال بينها وبين السير.
6 ـ يحسب الكثيرون أن ارتباط الاجتهاد بالنص يضعف طاقته على التجديد، ويعجزه عن مسايرة التطور في ميادين النشاط الحاضر.
هذا خطأ كما يبدو، فارتباط الاجتهاد بالنص ضروري، لا لأنه تقليد ديني محض، أو لأنه محتوم بقاعدة مكتسبة من قرار علمي فقط، بل لأنه ـ قبل هذا وذاك ـ