/صفحة 78/
السؤال وجيه اذا سمحنا للحذر المحموم أن يسيطر على أفكارنا متسللا اليها من قلق الحياة العامة بالشكوك والأوهام، اما اذا قيس بالمعايير الموضوعية الثابتة فيترجم بالوجه الآتي: أية فائدة تترتب على الاهتمام بالفقه وأصوله؟ وهو سؤال ان زاد معناه على الأفكوهة كان تحيفاً على الواقع، وازاحة لموضوع فكري خطير عن مكانه الراسخ في حياتنا القائمة، فتقويم الاجتهاد وضبط موارد استخدامه عمل فكري قيم في ذاته وهو أكبر قيمة بمعطياته التطبيقية في تتبع مجراه ابتداء من دور التأسيس إلى أدوار التقعيد انتهاء، من طريقه الصاعد بين مختلف الحاجات والمشاكل والتيارات في سير دقيق مرن كثيرا ما يختلط طرفاه فيلتبس ابداع الاجتهاد ببدعة الاعوجاج، وقد امتحنت بالخبط بينها فعلا فرق كثيرة في فيض النشاط العقلي، متحركة من يوم الناكثين والمارقين إلى العصر الذهبي العباسي من القرون الوسطى.
ثم لا تنحصر أهمية هذا البحث في حدود المنهج التاريخي، بل تتعداه إلى منهجي العلم والعمل المرتبطين بنظامنا التحتى الذي هو الإسلام، وهو ما يزال قائماً بحمد الله، فالنص وتحديد الموقف الاجتهادي منه ليسا من "العاديات" الأثرية، ولا من اللغات البائدة، وانما هما أساس يرتفع فوقه بحركة حية واقع الملايين … عشرات الملايين من المسلمين، وتدور على قطبه حياتهم في فلكها الأوسع.
النص، موضع "الثبات" في الفقه الإسلامي، والاجتهاد، مسلحاً بقواعده العقلية يعوض عن قانون التحول ان لم يكنه، ولكي لا يشكل "الثبات" جموداً يعيق التطور كان الاجتهاد، وكانت مهمته تليين النص وتطويعه للحياة، ومده في المرتقى الحضاري، لا الغاءه أو الانحراف عنه، لأن الغاء النص والانحراف عنه يفضيان إلى نسخ القواعد الثابتة، وابتداع شريعة جديدة غريبة عنا لا تستند إلى فلسفتنا، ولا تخرج من خصائصنا وعرفنا.
وبهذا يتضح أن اثارة هذه المشكلة في متجه الوعي الحديث تعتبر خطوة أمامية تستحث الطبقة المختصة من العلماء المسلمين على الانبعاث من هذا الأصل بروح الإسلام السمح إلى تحديد موقفنا من جملة القضايا الجديدة على نحو يثبت شخصيتنا الإسلامية الخاصة بين التيارات الحديثة الغازية.