/صفحة 80/
مصدر اصالتنا، وحاجز ثابت لا يسمح بالخروج عن مقوماتنا الأساسية، ويأذن بهضم الثقافات الأخرى، بل يأمر بهذا شرط تأنيسه وفق طريقتنا، وتطويعه لمبادئنا وآدابنا، واخراجه ممهوراً بطابعنا، وفي الاجتهاد: هذا المعهد العظيم: باب للقاء عالمي لا تحسبه ضيقا، ومدخل يتسع لكل جديد نافع من الحضارة الآلية، ومن المعروف اتساعه في القرون الوسطى للحضارات اليونانية والفارسية والهندية وفق شرطنا، وعلى الوجه الذي أكسب حضارتنا صفة التفوق في العالم، ومرد هذه المرونة العظيمة في اجتهادنا عظمة في مرونة النصوص التي ارتبط بها، ولم يسمح له بالانفكاك عنها، فالعائد اليها يجد فيها شمولا يجعل من آياتها ما وصفت نفسها به ـ في يقين العلم ـ من كونها خاتمة الشرائع في الأزل، وشريعة الحياة إلى الابد، ومعنى هذا أن النص منذ البدء وضع خميرة، خميرة صالحة للتطور، وأنه لوحظ به حين وضعه انطباقه على حاجات عصره، وتطبيقه على ما ينمو منها أو يتجدد بعده.
وزيادة في الايضاح نلتفت إلى تكامل "التنزيل" شيئاً فشيئاً وفق سنة النشوء، مجارياً قانون التطور حسب التجارب، وقل مثل هذا في "السنة" رفيقة "الكتاب" في تنزلاته، وملقية الضوء على المتشابه من محكماته، في بناء يتألف منهما شاءه الله طبيعياً لهذه الشريعة كي يشدها بما تشتد به أحياء هذه الأرض وكائناتهان ويخرجها مع هذا عجباً في اتقان السبك، وعظمة المضمون، وامتداد البقاء.
7 ـ متى تقرر "الاجتهاد" مبدأ؟
آن لنا أن نطرح هذا السؤال لارتباطه الوثيق بأساس الكتاب "الاجتهاد والنص" فما لم يكن هذا المبدأ مقراً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا تشمل مخالفته اجتهادات المتأولين المعروضة في الكتاب بالبداهة.
وفي الجواب نرى قبل كل شيء أن تقرير هذا المبدأ في عهد النبي قضية قياسها معها، فالمشترع الحكيم لا ينسى أساساً كالاجتهاد يطور به شريعته وهو يصنعها شريعة أبد، ويعلم أن الحياة لا تقف بعده كما مر.
وانه لمن الثابت ـ بعد هذا ـ في الموثوق من الحديث، والصحيح من التاريخ، أن النبي وجه رسله ومبعوثيه إلى البلدان النائية نحو العمل بالرأي استناداً إلى الكتاب