/صفحة 70/
فلست من فقهاء السياسة، ولا أحب أن أكون منهم، وانما أنا شيخ ذو فكر مجرد، أو صاحب مثل ان شئت، واذا تحدثت عن أناس فعن أولئك الذين كانوا منذ قرون طويلة أتى عليها دهر الدهارير. نحن في تأبط شرا وشعره المشهور، أعني العينية التي كانت صدر حدثنا.
قلت: فلعند اليها، وانها لصورة مسلية أن أراه في غاره يلاعب نمراً ألفه فاتخذه صديقاً بدل صديقه الآدمي.
قال: لا تخلط. فذلك ليس تأبط شرا، وانما هو القتال الكلابي صاحب النمر في الغار، ذلك الصاحب الذي يعدل صديقه أبا الجون.
ولى صاحب في الغار يعدل صاحبي أبا الجون الا أنه لا يعلل
الا أن الخلط والتحريف والهذيان والتخريف شئون مشيو خائية، أفتراكم شباب هذا الجيل نفستمونا اياها؟ خذوها بورك لكم فيها، فاملأوا بها النوادي والصحف فنعم الخلف أنتم لشيوخ، لا والله ما خلطوا ولا خرفوا.
قلت: بديه أن يحقد الشيب على الشباب، وأن يروا سواد شعره رمداً في عيونهم كما قال شاعر قديم.
قال: بل شاعر لابد جديد متصاب حيث فاته الصبا، فأما القديم فانه الذي يقول:
ولما رأيت الشيب لاح بياضه بمفرق رأسي قلت للشيب مرحبا
ولو خفت أني ان كففت تحيتي تنكب عني رمت أن يتنكبا
ولكن اذا ما حل كره فسامحت به النفس يوماً كان للكره أذهبا
أحسن استقبال الشيب مرحباً به حين جلل رأسه، ولو كان سوء الاستقبال يرده لما حياه، بل ود لو تنكبه لو كان إلى ذلك سبيل، أما والمكروه لا يرجعه الجزع فأطيب للنفس أن ترضى. انه الصبر الجميل يا بني، بل الجمال صفة لازمة للصبر، متى صبرت فقد أجملت، من أجل هذا تجدهم يقولون: "اجمل" أو "اصبر" لا فرق بين التعبيرين، فأنت لابد مجمل اذا صبرت، أو أنت لابد صابر اذا أجملت.
قلت: ولكن ثم خطأ في تعبير الشاعر القديم حيث يقول: ولو خفت أني. الخ فان مؤل المصدر ليس أمراً مخوفا بل مروعا.