/صفحة 57 /
طرائق التفكير نفسها، وتتحكم في المعاني تحكمها في الألفاظ وتفرض على المتكلم والكاتب قيوداً ثقيلة مرهقة، لا مسوغ لها من عقل سليم، ولا نقل مسموع عن أهل هذه اللغة وأصحاب الكلمة الأولى في شئونها، وبحسبى أن أذكر قليلا من الأمثلة التي يضيق بها الحصر، وأكتفى بها في التذكير والإيضاح:
1ـ جاء في الأشمونى وحاشية الصبان عند الكلام على فاعل (1) نِعم وبئس وأنه يكون مقرونا بأل أو مضافا لما قارنها. . الخ مانصه:
(ذهب الأكثرون إلى أن "أل"في فاعل نعم وبئس جنسية، ثم اختلفوا ;فقيل حقيقة ;فإذا قلت: نعم الرجل زيد. فالجنس كله ممدوح، وزيد مندرج تحت الجنس ;لأنه فرد من أفراده. ولهؤلاءفي تقريره قولان: أحدهما: أنه لما كان الغرض المبالغة في إثبات المدح للممدوح جعل المدح للجنس الذي هو منهم ;إذا الأبلغ في إثبات الشىء جعله للجنس ;حتى لا يتوهم كونه طارئا على المخصوص. والثانى: أنه لما قصدوا المبالغة عدوا المدح إلى الجنس مبالغة، ولم يقصدوا غير مدح زيد ;فكأنه قيل: ممدوح جنسه لأجله. وقيل مجازاً;فإذا قلت: نعم الرجل زيد، جعلت زيداً جميع الجنس مبالغة، ولم تقصد غير مدح زيد. وذهب قوم إلى أنها عهدية. ثم اختلفوا ;فقيل المعهود ذهنى كما إذا قيل اشتر اللحم، ولا يُريد الجنس، ولا معهوداًتقدم وأراد بذلك أن يقع إبهام، ثم يأتى بالتفسير بعده، تفخيما للأمر. وقيل المعهود هو الشخص الممدوح فإذا قلت: زيد نعم الرجل ;فكأنك قلت زيد نعم هو. واستدل هؤلاء بتثنيته وجمعه;ولو كان عبارة عن الجنس لم يسغ فيه ذلك. وقد أعجيب عن ذلك على القول بأنها للاستغراق بأن المعنى أن هذا المخصوص يفضل أفراد هذا الجنس إذا ميزوا رجلين رجلين، أو رجلا رجلا. وعلى القول بأنها للجنس مجازاً بأن كل واحد من الشخصين كأنه على حدته جنس ;فاجتمع جنسان فثنيا. . . )ا ه.
لنتركك هذه المعركة اللفظية في حامى وطيسها، ولا نزيد نارها اشتعالا بإلقلء
(1)ج 3 باب نعم وبئس.