/صفحة 407/
استطعت أن تلمحه هنا لمحته هناك. وإلا فلا خبر عندى.
قلت: ليس يعنينى أن ألمحه هنا أو هناك. إنّما يعنينى أنه يبرر الهزيمة بكثرة عدوه. ويترك صاحبه تأكله العرفاء أو الغبراء. ليته فعل فعل مالك بن أبى كعب حين طلب إليه أن يستأثر. ويسلم زوجه، فقاتل دونها حتى قتل وهو يقول:
لعمر أبيها لا تقول حليلتى *** ألا فرّعنى مالك بن أبى كعب
وهم يضربون الكبش يبرق بيضه *** ترى حوله الأبطال في حلق شهب
قال: القياس مع الفارق كما يقول أصحاب المنطق. فليس من شأن الرجل الكريم أن يسلم امرأته. ولا عذرها إلا أن يقتل. أما أن يبغت رجلين عدو لهما كثير العدد. فإن الرأى حينئذ هو رأى أسامه. أوغيره من حيوان الغابه.
قلت: لست أحسب حيوان الغاب مفكراً فصاحب رأى.
قال: بل صاحب سلوك ناهيك به معبراً عن أحسن الرأى. إن الحيوان في الغابة لا يولى دبره أبداً. ولا يهرب من المعركة مادام عنصر التكافؤ قائماً.
ولو كان واضحاً أنه سيهزم. أما إذا عز التكافؤ بأن هاجم قطيع من الذئاب مثلا نمراً فإنه لا يستحى أن يهرب ولا عليه حسب قانون الفطرة السليمة. فإن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها أو طاقتها على أبعد مدى. افتراك مكلفاً تأبط شرا ما لا يتكلفه الأسد أو النمر؟ إن الحزم أحزم الحزم أن يهرب في مثل الظرف الذي كان فيه وأولى له ثم أولى أن يرصد لهم يوما آخر: يوم الأخاليج التي تصب في ذى المحافل الكبير: ومن شاء فلينزع فلن تعوزه الأشطان ولا الدلاء.
قلت:
إن كنت صادقة الذي حدثتنى *** فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم *** ونجا بثوب طمره ولجام