/صفحة 392/
الصحيح ولا تتنافر مع مقتضيات العمران.
فظهرت حينئذ التضحية ببعض أنواع الحيوان كالبقر والغنم والمعز، وببعض أنواع الطيور كالدجاج والبط والإوز.
وظهرت أناوع أخرى من القربان لا تقتضى إهراقا للدم، كالتقرب بما يستخرج من الحيوانات، والتقرب بالنبات كالحنطة وسنابل القمح والدقيق الممزوج بالزيت، والتقرب بما يصنع من النبات كالخيز والفطير.
وقد كان لظهور الزراعة أثر كبير في هذا التطور. فقد هذبت الزراعة كثيرا من أخلاق الإنسان وطباعة. فبفضلها كثرت كميات غذائه النباتى وقل مقدار استهلاكه من اللحوم، فزالت وحسشيته، واعتدل مزاجه، وهدأت طباعه، ورقث مشاعره. فاستبدل بكثير من تقاليده الدموية وعقائده الوحشية الأولى نظما أخرى أدنى إلى الإنسانية وأقرب إلى مقتضيات العمران. ولذلك أخذت القرابين الإنسانية والحيوانية تقل شيئا فشيئا بعد ظهوا الزراعة، وتحل محلها القرابين النباتية المؤلفة من سنابل الغلال والخبز والفطائر وما إلى ذلك. فأصاب غذاء الآلهة وطباعها من أسباب التهذيب والرقى ما أصاب الأناسى وطباعهم.
وظهر كذلك نوع غريب من التضحية وهو التضحية الصورية أو التمثيلية، كالتضحية بالتماثيل والصور الإنسانية (وقد انتشرت هذه العبادة عند كثير من الأمم القديمة والحديثة)، وكإهراق الدم من عضو من أعضاء التضحية بدون القضاء على حياتها (وقد اتبع هذا النظام في كثير من معابد قدماء الإغريق وبخاصة الإلاهة أريتميس)، وكالاكتفاء بأعمال تمثيلية تشير إلى ما كان يعمل قديماً (فعند بعض قبائل الهنود مثلا كان يكتفى في التضحية عقب وفاة الزوج بأن يؤتى بكومة حطب وتشعل النار فيها ويؤتى بزوجة المتوفى وتمد على هذه الكومة وتظل كذلك حتى يقرب اللهب منها). ومن أنواع التضحية التمثيلية التضحية بخيال الإنسان. فقد جرت العادة عند بعض شعوب البلغار، عندما