/صفحة 391/
والمتحضرة كانت تقدم من بنى الإنسان على اختلاف في نوعها باختلاف الأمم والشرائع وتبعاً للأحوال الميحطة بالتقدمة والأسباب الداعيد إليها. فقد كانت أحياناً من الإناث، وتارة من الأطفال، وتارة من الشبان والشيوخ. غير أنه يظهر من استقراء هذه الحالات عند مختلف الأمم وفي شتى مراحل التاريخ أن معظم الضحايا الإنسانية كانت تقدم من طائفتين: من الأطفال ذكورهم وإناثهم ولا سيما أول من يولد منهم لأبويه; ومن البنات الأبكار. ويظهر كذلك أن معظم من كان يضحى به من غير هاتين الطائفتين كان يؤخذ من أسرى الحرب والرقيق والمذنبين. غير أنه في أحوال غير قليلة كانت الضحايا تقدم من طبقات راقية من الشعب. فكثيرا ما قدمت أمم ملوكها أنفسهم قربانا لمعبوداتها.
وإذا لا حظنا أن المناسبات التي كانت تقتضى التضحية كانت كثيرة الحدوث والتكرار، وأن الإحجام عن التضحية عند وجود ما يقتضيها كان في نظر هذه الأديان شيئا إدّاً تنفطر منه السماوات ويثير غضب الآلهة ويصيب نكالة جميع أفراد المجتمع الذي حدث فيه التقصير، إذ لاحظنا هدا كله سهل علينا أن ندرك كيف كانت هذه العبادة في أقدم أشكالها. عالم إجرام ودمار، ومصدر مصائب وويلات. وحسبنا دليلا على ذلك أن قبائل الأزتك Azteques وحدها (وهم السكان الأصليون لبلاد المسكسيك) كانت إلى عهد غير بعيد تقدم من الضحايا الإنسانية ما يبلغ عددها زهاء خمسين ألفا كل عام:
غير أن ارتقاء التفكير الدينى، وإصلاح ما علق به في مراحله الأولى من خطأ في فهم الآلهة وصفاتهم وما يتطلبه رضاهم، ونزعة المجتمعات إلى تنزيه معبوداتها عن القسوة والتشفى وعن الحاجة إلى ما يقدمه إليهم بنو الإنسان وجعلهم أغناىء عن العالمين، واتساع نطاق العلوم وانتشار الشوائع السماوية والكتب المقدسة، كل أولئك قد عمل على احترام الحياة الإنسانية، فقضى على هذا الشكل الوحشى من التضحية، واستبدل به أشكالا أخرى لا تنبو عن الخلق