/صفحة 382/
عن ذلك أن فترت الهمم، ووقف الفقه الإسلامي، واشتغل علماء المذاهب بالانتصارات المذهبية، واختصار المطولات، وشرح المختصرات، وهكذا حرم الناس الفقه، وحرموا ملكة الفقه، وقد وصف الشيخ عز الدين بن عبد السلام موقف هؤلاء المتأخرين فقال: "من العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه، يحيث لا يجد لضعفه مدفعا وهو مع ذلك يقلده فيه، ويترك من شهد الكتاب والسنة له، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده" ثم قال: "لم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقيد بمذهب، ولا إنكار على أحد من السائلين، إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين، فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة مقلداً له فيما قال، كأنه نبى أرسل، وهذا نأى عن الحق، وبعد عن الصواب، لا يرضى به أحد من ذوى الألباب".
وقال الإمام أبو شامة: "ينبغى لمن اشتغل بالفقه ألا يقتصر على مذهب إمام، ويعتقد في كل مسألة صحة ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة، وذلك سهل عليه إذا حصل العلوم المتقدمة (وسائل الاجتهاد) وليجتنب التعصب والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة، فإنها للزمن مضيعة، ولصفوه مكدرة، فقد صح عن الشافعى أنه نهى عن تقليده وتقليد غيره، قال صاحبه المزنى في أول مختصره: "اختصرت هذا من علم الشافعى ومن معنى قوله لأقربه على من أراد، مع إعلامية نهيه عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه، ويحتاط لنفسه".
إن واجب المسلم إذا تعذر عليه أن ينال الأحكام من أدلتها أن يسأل أهل الذكر، وليس عليه أن يلتزم مذهباً معينا، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة، قال شارح مسلم الثبوت: "فإيجابه تشريع شرع جديد" ثم قال: "ولك أن تستدل عليه