/صفحة 380/
وهذا الذي نقرره هو ما تقرره كتبكم المعتمدة التي تدرسونها، وتنقطعون لخدمتها، ألا ترون أنهم يقولون: "الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية" ويقولون: "من لم توجد عنده ملكة العلم بالأحكام على هذا الوجه فلا يعد فقيها ولو حفظ جميع أحكام الفروع، ومن وجدت عنده الملكة ولو في بعض المسائل فهو الفقيه. وقد سئل مالك عن أربعين مسألة فأجاب عن أربع منها، وقال في ست وثلاثين: لا أدرى! ولم يمنعه ذلك من أن يكون فقيهاً; لأن ملكة الفقه وجدت
عنده".
ثم إن هذه الدراسة قائمة جارية على أيدى العلماء في كل عصر، وكتب المذاهب عامرة بها، وكتب الحديث والتفسير والأصول الأمهات، لا تكاد تخلو منها صفحة من صفحاتها، وكم رجح المالكى قولا للشافعى. ورجح الحنفى قولا لغير أبى حنيفة، وأصحاب أبى حنيفة وتلاميذه ومن ينتسبون إليه، كثيراً ما يقررون غير ما قرره الإمام، لضعف مأخذه عندهم، أو لا نكشاف دليل لهم لم ينكشف له، وكذلك كل أصحاب الأئمة وأتباع المذاهب.
ولا شك أن هذا منهج مستقيم من الناحية العلمية الفقهية، ومن الناحية الإسلامية:
فأما استقامته من الناحية الفقهية فلأن الفقيه المنصف الذي لا هدف له إلا البحث عن الحق; لا يسعه أن يغض الطرف عن قول قاله مجتهد، في المسألة التي يبحثها، مادام لا يصادم نصا قطعيا من كتاب أو سنة، ولا يسعه أن يعرض عن دليله. فقد يكون هذا الدليل سليما، ولو أن فقيها باحثا ارتضى لنفسه أن يغض النظر عن قول غيره ودليل غيره; لكان من الذين قال الله فيهم "ألا إنهم يستغشون ئيابهم ليستخفوا منه". ولا شك أن منهجه حينئذ لا يكون إلا منهاجا فاسداً غير معتد به من العلماء.