/صفحة 379/
غير متأثرين بحكم سابق ضد هذا المذهب أو ذاك. ولذلك يجب أن يخلع الباحث العلمى ثوبه المذهبى قبل أن يدخل قاعة الدرس، وإلا كان الزعم بأن ما يفعله مقارتة بين المذاهب زعماً غير صحيح، بل كان ذلك أشبه بالظهور بالمظاهر التمثيلية.
ولذلك لا نفهم السرفى التشقيق الذي أتى به المعترض في قوله: "هل يدرس لبيان زيفه أو على أنه حق" ونقول له: كيف فاتك أن الدرس يجب أن يكون على أساس من الإنصاف والمعدلة وخلو الذهن من حكم سابق، وإلا لم يكن درساً، ولم يكن منهجا علميا محترما. إن البحث والدليل والبرهان هي الأساس في الحكم، وليس هناك من يزعم أن مذهباً ما من المذاهب الإسلامية حق كله، وأن مذهباً آخر باطل كله. ولكن كل مجتهد متعرض لأن يخطىء ويصيب، ويؤخذ منه ويرد عليه.
وقبل أن نترك الحديث في هذه النقطة نحب أن نقول: إن ماقرره الأزهر من الاكتفاء بدراسة مذهبى الإمامية والزيدية ضمن منهاج الفقه المقارن، لم يكن مرجعه في نظره أنه يستنكر دراسة هذين المذهبين على سبيل الاستقلال، كلا، ولكن لأن الدراسة الجامعية الأصلية هي الدراسة المقارنة، وليس مما يهم الأزهر أن يزيد مذهباً على مذاهبه الأربعة كى يدرس مثلها على سبيل الاستقلال، بل لعله يرمى إلى مستقبل تكون فيه جميع الدراسات الفقهية في كلية الشريعة وأقسام التخصص بها دراسات مقارنة.
ولعل قائلا يقول: ولماذا تحلفون بما تسمونه "الفقه المقارن" إلى هذ الحد، وتعدن دراسته هي الدراسة الجامعية الحق، وترتكبون في سبيله ما لم يرتكبه أحد من قبلكم؟ فنقول له:
"إن الفقه المقارن" هو الفقه على الحقيقة، وهو صناعة الفقيه على الحقيقة، أما الحافظ للفروع الذي لا يعرف إلا سرد الأحكام; فما ذاك بالفقيه.