/صفحة 375/
تعينه على ما هو بصدده. وتجعله ملما بما يدور حول التفكير الفقهى الذي يزاوله من تيارات ملائمة أو معارضة.
إن الباحث في الشريعة الإسلامية لا يسعه أن يغض النظر عن هذين الجانبين، ولو أنه غض النظر عنهما لكان نظره ناقصاً ومتحيزاً; لأن الفقه ليس مجرد تحصيل الفروع ومعرفة الأحكام المستقاة من المذاهب، وإنما هو مجموع النظر والمقارنة والترجيح، فلو عرف الناظر بعض الاتجاهات الفقهية وجهل بعضاً لكان الركن الأكبر في الفقه منهدما عنده; لأن احتمالا قويا يبقى قائما أمامه كأنه يناديه ويلح عليه ويقول له: لعل الذي أعرضت عنه هو الحق والصواب، ولعلك إذا قارنته بما عرفته تحول نظرك، وتغير حكمك.
ثم إن الفقه في واقع أمره إنّما هو قانون تنظيم الحياة للفرد في نفسه ومع غيره منفرداً أو مجتمعاً، وما سنت القوانين الوضعية إلا لذلك، فكيف يعيش الفقيه الإسلامي في دائرة فقهه وحده وهو يرى أوضاع الناس وقوانين حياتهم مصطبغة اصبطاغا تاما بغير هذا الفقه؟ أيظل معرضاً عن هذا الواقع العملى، جاهلا أو مغضياً عن مبادئه، وأصوله، وقواعده، وإذن يعتزل الناس كما اعتزلوه، ويسخر منهم كما سخروا منه؟ أم يقف موقفاً عمليا، فيعرف، ويدرس، ويحيط بما حوله، ويوازن بينه وبين ما عنده، وإذن يكون متسلحا بالعلم والمعرفة، قادراً على أن يقنع الناس بأسلوبهم، وأن يخطو بالفقه الإسلامي خظوات تقربه من الناس وتحببه إليهم؟
إن المدارس الفقيهة المعروفة بالمذاهب الإسلامية، إنّما قامت على أساس دراسة أحوال الناس وأعرافهم وظروف مجتمعهم، ثم استنبطت لذالك كله من الأحكام العلمية ما هو متمش مع الصالح العام الذي هو أساس شريعة الله، فمن ظن أن الفقهاء قد انقطعوا في نظرهم عن فقه الحياة، أو عن المجتمع، أو عن الظروف والملابسات التي توضع لها القوانين ـ من ظن ذلك فإنه لم يصب كبد