/صفحة 37 /
طرق غَريْبَة
في إثباتِ الجرائِمْ
للأستاذ الدكتور على عبد الواحد وافي
تقصد المجتمعات الإنسانية من نظام المسئولية والجزاء أن تسلم لها حياتها، وتظل حدودها بمأمن من الاعتداء، وتصان نظمها، ويتوطد ما لها في النفوس من قدسية وجلال، ويزول من طريقها كل ما يعوّق سيرها الطبيعى من عقبات. ويشتد الحرص على تحقيق هذه الوظيفة كلما كان الجرم خطيرا في نظر المجتمع، ولذلك اتسع نطاق المسئولية والجزاء في هذا النوع من الجرائم كل الاتساع، حتى إنه ليتحايل أحياناً على إثباتها بطرق غريبة لاتدل في ذاتها على شيء، ولكنها تعيد للمجتمع هدوءه وتشعره بزوال ما يتهدد حياته من خطر ;فتذلل له بذلك السبيل لتحقيق الوظيفة الاجتماعية للمسئولية والجزاء. فمن ذلك مثلا ما يسمونه بطريقة "الأورداليا" ORDALIA "أى الامتحان الإلاهى" التي أخذ بها في تحقيق الجرائم الخطيرة كثير من الشعوب المتحضرة في العصور القديمة، ومن بينها الشعب اليونانى نفسه في أرقى عصور نهضة، وأخذت بها الأمم الأوروبية المسيحية في العصور الوسطى وصدر العصور الحديثة حيال جرائم السحر والإلحاد وما إليها من الأمور التي كانت تعد من كبار الذنوب. وذلك أنه كان يؤتى بقطعة من حديد فتحمى حتى تصير جذوة نار، ويكلف المتهم أن يقبض عليها بيده، أو يكلف المشى على جمر الفحم الحجرى، أو يضع يده في الماء وهو في درجة الغليان ;فإن أصابه ضرر من هذه الأمور دل ذلك على إدانته ;وإن نجاه الله منها، فأصبحت النار برداًوسلاماًعليه، كان ذلك آية على براءته ;