/صفحة 38 /
ولكن هيهات كان يحدث هذا الإعجاز! وأحياناًكانت يده تلف بعد ذلك بضماد وتختبر بعد ثلاثة أيام، فإن قام في أذهان المحققين أن الحرق في طريق البرء دَل ّذلك على براءة المتهم، وإلا ثبتت إدانته. هذا، ولا تزال لطريقة "الأورداليا" آثار كثيرة في العصر الحاضر. فمن ذلك مثلا طريقة "البُشْعة"التي تسير عليها بعض القبائل العربية في الشام ومصر، وخاصة من يسكن منهم مديرية الشرقية (قبائل المعازى والدراجين والعيايدة والحويطات. . . الخ"في تحقيق الجرائم الخطيرة كالقتل وماإليه، وذلك أن يؤتى بطاس من حديد، ويحمى حتى يحمر، ويكلف المتهم أن يلعقه بلسانه، ويتناول جرعة ماء يتمضمض بها بعد ذلك. فإن أحجم عن لعق الإناء أو لعقه وأصابه منه ضرر اعتبر مذنبا. وفي كلتا هاتين الحالتين يعرض أمره على المحكمين ليقضوا في شأنه بما يرون وقفاً لعرفهم القضائى. وأما إذا لعق الإناء ولم يصبه ضرر منه فإنه يعد بريئاً. وتسمى هذه الطريقة لديهم طريقة "البشعة"بضم الباء أو بكسرها، ويشرف على إجراءاتها (أى على عملية "التبشيع"كما يسمونها )إخصائى يسمى المبشِّع بكسر الشين المشددة)ويعتقدون أنه لايوجد إلا مُبَشِّع واحد في مصر، وأن هذه الوظيفة قد آلت إليه بالوراثة، وأنها تنتقل منه إلى أكبر أفراد أسرته سناً. . . وهكذا، وأن بحسمه حصانة وراثية تجعل النار برداًوسلاماًعليه: حتى لقد جرت العادة أنه يمسح المبشِّع نفسه الطاس المحمية بيده قبل أن يقدمها للمتهم بدون أن يناله أى ضرر من هذا المسح. ويجرى "التبشيع" عادة في حفل يشهده المبشِّع والمحكَّمون وطرفا الدعوة (المتهم والمجنى عليه )وعدد من أقربائهما. ويحضره كذلك شاهد للطرفين يسمى "سامعة" ويتقاضى هذا الشاهد أجراًعلى شهادته، كما يتقاضى المبشِّع نفسه أجراًعلى عمله (يقدر أجر المبشع عادة لدى قبائل العرب في الشرقية بخمسة جنيهات على كل متهم).