/صفحة 368/
عليها، وإقامة الطرق، وبهذا يتبين أن الإحياء مؤداه أن يزيل أسباب مواتها، وهذا هو الراجح في الفقه الإسلامي، وهناك رأى آخر، وهو أن الإحياء يكون بما تعارفه الناس إحياء، وهذا رأى في مذهب الإمام أحمد رضى الله عنه لأن الشارع الإسلامي علق على الإحياء حكما وهو الملكية، ولم يبين ماالإحياء، فوجب اعتبار العرف في تعرف معنى الإحياء ليكون الحكم وارداً على سبب معروف.
25ـ والإحياء وحده سبب للملكية عند جمهور الفقهاء فلا تحتاج الملكية في الأرض الموات إلا للإحياء ولو كان بغير إذن الإمام.
وقال أبو حنيفة رضى الله عنه إن الإحياء لا يكون سبباً للملكية إلا إذا اقترن به إذن الإمام، فأبو حنيفة يقرر أن السبب هو الملكية، ولكن السبب لا ينتج أثره إلا بشرط، وهو إذن ولى الأمر.
وقد استدل جمهور الفقهاء على رأيهم بأن الأراضى الموات من الأشياء المباحة، والمباح لمن سبقت يده إليه، كمن يصطاد حيوانا، فانه بمجرد الصيد يكون ملكا لمن صاده، وكمن يحتطب فبمجرد جمع الحطب يكون ملكا له، والأرض لا يتصور الاستيلاء عليها إلا باحيائها إذا كانت مواتا ولقد قال النبى (صلى الله عليه وسلم): "من أحيا أرضا ميتة فهى له".
ووجهة نظر أبى حنيفة أن الأراضى الموات، وإن لم تكن ملكا لبيت المال، بل هي أشياء مباحة إلا أنها في ولاية الإمام، والنبى صلى الله عليه يقول ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه، ولأن الإحياء من غير إذن الإمام قد يؤدى إلى التزاحم، وهو يؤدى إلى التتنازع، فليمنع النزاع وجب الإذن ابتداء، وحديث من أحيا أرضا ميتة فهى له لا ينافى الإذن.
وقد ذكر أبو يوسف في كتاب الخراج خلافه مع شيخه بعبارات تنصف رأيه وتكبر شيخه، فقال: "كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: "من أحيا أرضا مواتا فهى له إذا أجازه