/صفحة 366/
ويشترط لاعتبار الأرض مواتا أن تكون بعيدة عن العمران غير قريبة منه، لأنها إن كانت قريبة من العمران انتفع بها في غير الزراعة، فتتعلق بها مصالحه، إذ يكون منها طرق ومسايل ماء، ومطرح قمامته، وملقى ترابه، ولم يختلف أحد من الفقهاء في هذا الشرط، ولكنهم اختلفوا في مدى هذا البعد، فروى عن أبى يوسف رضى الله عنه أن البعد يكون بحيث لو نادى رجل جهير الصوت في أدنى الموات إلى العمران بأعلى صوته لا يسمع في العمران، ولكن المروى في المذهب الحنفى، وهو المتفق مع المذاهب الأخرى أنه يكفى في البعد عن العمران ألا يكون من مرافقه بالفعل.
ولقد ترك بعض الفقهاء الحد الفاصل بين القرب والبعد إلى العرف، ومن هؤلاء الإمام أحمد بن حنبل، ودليله أن تعريف الحد بتعريف شرعى غير ممكن لعدم وجود الدليل، فوجب تركه إلى العرف كالقبض والإحراز وغير ذلك من المعانى غير المحدودة بحد ثابت، فإن الأمر فيها يترك إلى العرف.
23ـ وقد اشترط بعض الفقهاء في الأرض الموات التي يجوز إحياؤها ألا تكون ثابتة الملكية لأحد، فإن كانت ثابتة الملكية فإنه لا يجوز أحياؤها، وإذا أحياها شخص، فإن الإحياء لا يكون سببا للتمليك، وبعض الفقهاء قال يجوز إحياؤها ولو كان الملك قد سبق إليها ثم صارت مواتا.
والأصل في الخلاف في هذه المسألة أن الأرض التي تملك وينتفع بها أتستمر الملكية عليها إذا أهملها حتى صارت مواتا، والخلاف في هذه المسألة قد جرى على أقوال أربعة:
أولها: أن الملكية إذا ثبتت على أرض لا تزول ملكيتها ولو تحولت إلى موات، لأن الثابت لا يزول إلا بسبب شرعى والإهمال لا يعد سبباً مزيلا للملكية، وقد يكون من الواجب حمله على العناية بأى طريق من طرق الحمل، ليقوم بحق الأرض ويعنى بها، وهذا رأى بعض الحنابلة، وكثيرين من الشافعية.