/صفحة 364/
ولكن العمل اليدوى مظنة أن يحجم الناس عنه، فيكون التعطل، ويطمع كل امرىء فيما لا يحسنه، فتتوزع الجهود من غير تنسيق بينها، وتتبدد قوى كانت تنتج فيما هيأها الله له، ولكنها تجاوزت قدرها، وطلبت ما ليس لها، ولم تمنح من القوى ما يؤهلها له، وكذلك ذكر النبى صل الله تعالى عليه وسلم العمل اليدوى بالتكريم، فقال (عليه السلام) ما أكل ابن آدم طعاما خيرا من عمل يده، وإن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده". وقال النبى صل الله عليه وسلم "إن أشرف الكسب كسب الرجل من يده" وقال تعالى "وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب، وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره، وما عملته أيديهم أفلا يشكرون".
وإن الإسلام بهذا يحرض على العمل اليدوى فيكرمه لكيلا يستحقره الناس، ويستحقروا أهله، ويكون ثمة التفاوت بالأعمال، وتكون الطبقات، وبها يتخرب المجتمع، ومن جهة أخرى فإن العمل اليدوى هو الأساس لكل بناء اجتماعى، وقد كانت الجماعات الفاضلة قبل الاختراعات، فلا يتصور اجتماع من غير العمل اليدوى، ويتصور اجتماع من غير المخترعات الحديثة، والقاعدة في كل شيء هي الأساس، والهدم يأتى البنيان من قواعده، ولا يأتيه من أعلاه.
21ـ هذا والأعمال بالنسبة للإنتاج، واتصاله بها أنواع شتى، فمن الأعمال ما تكون نتيجته مباشرة للعمل سواء أكانت النتيجة كلية أم كانت جزئية، فالعامل الذي يحمل الأثقال ثمرة العمل هي رفع الشىء من مكان إلى مكان، لكن هذه ثمرة جزئية هي جزء من ثمرة كليد هي تمام البناء، أو حفر المجرى، أو توسيع طريق المياه إلى المزرعة، وتشترك عدة جهود في تكميل الثمرة الكلية، وهذا يخالف صناعة النجار اليدوى لمكتب أو نحوه، فإن نتيجة العمل كل قائم بذاته، قد يكون منفصلا عن غيره انفصالا تاما، أو غير تام على حسب نوع العمل.
وقد يكون العمل إشرافا على آلة كبيرة أو صغيرة، فتكون الثمرة نتاجا لجهود العامل وحركات الآلة، فكل من اشترك في تكوين هذه الآلة من وقت أن كانت