/صفحة 363/
تعالى: "قل انظروا ماذا في السموات والأرض" ويدكون قوله تعالى: "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب".
19ـ وبهذه التربية المحكمة تظهر الكفايات وتتوزع، ويحسن كل امرى عمله، فالمفكر لا يستطيع أن يقوم بالمجهود العضلى ومن عجز عن السير في المرحلة الثانية يقوم بعمل يستطيعة ولا يستطيع سواه، وبذلك يكون الإحسان والإتقان، وقد روى البخارى ومسلم أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، ولقد قال النبى صل الله عيه وسلم: "الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة، أى أن كل مائة من الإبل لا تجد فيها إلا راحلة واحدة، إذ أن الجيد قليل، وإنه بالنظام التربوى الذي ذكرناه يتبين أن جسم الجماعة كالهرم، قاعدته هي المتسعة الحدود والأقطار، ثم يأخذ في الضيق كلما كان ارتفاع حتى تكون القمة، فإذا هي أضيق أجزائه مساحة، وأقصرها قطرا، وهكذا عظماء الفكر الذين يخترعئن هم قلة دائما في الأمم، وبمقدار عددها، ولا بكثرة المفكرين فيها، ولكن تقاس بمقدار ارتفاع القمة الفكرية، ولو قل عدد الذين وصلوا إليها، حتى لقد قال بعض علماء الاجتماع، إن عددا قليلا من العلماء في كل أمة هم الذين يرفعون درجة الفكر فيها. بل إن العالم مدين في عمرانه واقتصاده إلى عدد قليل من المفكرين وصل إلى أعلى القمة الهرمية.
20ـ وإن هذا التفاوت في المنزلة الفكرية لا يقتضى التفاوت في المعاملة، فإن الناس جميعا سواء أمام الشرع لا حق لمفكر في المجتمع أكثر من حق الآخر، ولذلك قال النبى صل الله عليه وسلم "الناس سواسية" كأسنان المشط".
لذلك لم يجعل الإسلام طبقات، ولكن الثمرة تابعة لمقدار العمل ونوعه، وكل مجزى بعمله، إن كان قليلا فبمقداره، وإن كان كثيرا فبمقداره، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى، ثم مجزاء الأوفى، وإن نتائج الأعمال كثمرات الشجر، وكإنتاج الزرع هي بمقداره، وبنوعه، فثمر الكمثرى ليس كثمر النخيل والأعناب، وكل بمقداره، وكل بنوعه.