/صفحة 362/
الأرض، ولكن هذا التمكين لا يتم إلا بالعمل المتواصل المستمر، وإن الذين عملوا من بنى الإنسان سخر الله لهم كل ما في الأرض من قوى وحللوا كل جزيئاتها، وانتفعوا
بكلها ما ظهر منها للناظر، وما اختفى إلا على الباحث، وها هم أولاء تركوا الأرض إلى الفضاء وكل ذلك بالعمل.
18ـ والعمل الذي ينتج ويثمر، ويأتى بأطيب الخيرات للمجتمع يشمل شتى الأنواع، فهو يبتدىء من الأعمال اليدوية الجسمية إلى الأعمال العقلية الخالصة، وبينهما مراتب من العمل الفنى الدقيق.
وإن الإسلام قد حرص على أن تهيأ الفرصة لكل قوة عاملة كى تعمل وكل بمواهبه، وكل ميسر لما خلق له، وضع نظما للتربية من شأنها أن تظهر الكفايات الفكرية لكل ذى موهبة، فقد قرر فقهاء الإسلام أن المرحلة الأولى من التعيم تكون لكافة الناس تثقف فيها قواهم الفكرية والنفسية والجسمية، ومن أتم المرحلة الأولى بنجاح، وصلح للانتقال إلى المرحلة الثانية صار إليها حتى يتمها، ومن وقفت مواهبه عند المرحلة الأولى لا يتجاوزها وقف عند عمل منتج مطلوب من المجتمع كله لصالح المجتمع، وهو العمل اليدوى أو الجسدى. وهذا النوع من الأعمال لا بد منه لثروة المجتمع ونماء اقتصادياته، لأن الإنتاج في حاجة إلى أيد عاملة توجه الآلات، وهو محتاج إلى زراع، وعمال في المتاجر، وكلها قوى للإنتاج وهي ثروات فيه.
ومن نجح في المرحلة الثانية بكفاية، وكان صالحا للمرحلة الثالثة سار فيها، واتجه إليها، ومن وقف عند هذه المرحلة فقد وقف عند عمل يحتاج إليه الإنتاج، وتنتظم به موارد الثروة، وتستنبط به ينابيع الأنتاج، وهو العمل الفنى الذي يشرف على إدارة الآلات، والعمل الإدارى الذي يضبط ويحسب، ويحسى ويوجه، ومن اجتاز المرحلة الثالثة فأولئك هم المتخصصون الذين نفكرون ويدبرون وينظمون، وإذا ساروا في أعلى درجات هذه الرتبة كان الاختراع، وكشف نواميس الكون، وتعرف إبداع الله تعالى فيما أنشأه، وبذلك يستجيبون لقوله