/صفحة 352/
أما أن يقول المسلم ـ وهو الذي فتح الله أمامه أبواب التفكير في السموات والأرض ـ بتوقيفية البحث والتفكير، فهذا ما لم نكن نتصوره. ولكنه مع الأسف الشديد كان سيرتنا في التعصبات الطائفية.
إن الأسر التي حكمت باسم الخلافة الإسلامية قروناً طويلة، كانت ترى في آل على(ع) المعارض الوحيد الخطير عليها، فكانت تسىء شيعة آل على وتستخدم الأقلام والألسنة ضدهم، حتى أوجدوا حول الشيعة كثيرا من الخلط، وكثيرا من التشويش، وكان يمكن لأى مصلح يتصدى للدفاع عنهم أن يدرأ عن المسلمين شر التفرق. ولكن القوة التي بيد الخلفاء ومقاومة بعض الحكام من الجانب الآخر كلاهما سخر الأقلام والضمائر ضدّ كل محاولة من هذا القبيل، وقضى عليها.
نعم، هناك محاولات وقعت فيما مضى، إلا أنها كانت فرديد من جهة، ولم تكن على أساس علمى مدروس من جهة أخرى. وكانت تارة سياسية ترمى إلى وحدة الحكم، وتارة غير عملية كمحاولة توحيد المذهب سنيها وشيعيها وبجانب هذا لم يكن الرأى العام يدرك حينئذ ما في التفرق من أضرار.
من أجل ذلك كله، لم تنجح واحدة من تلك المحاولات المشكورة، وإن تركت آثارا في نفوس قلة من المفكرين.
وبعد هذا ساق الله الظروف المواتية لإيقاظ المسلمين. وهيأ الأسباب التي تعين على ذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
فإن الدول القوية التي كانت تهيمن على مقدراتنا، وترسم لنا سياستنا منذ أمد طويل ـ هذه الدول خرجت من الحرب منهكة القوى مخضودة الشوكة سواء في ذلك الدول الغالبة والمغلوبة.
وقبل أن تسترد الدول الغالبة أنفاسها بدأت بينها حرب ثالثة غير أنها كانت
حربا باردة.
فجعل بعضهم يضرب بعضا، وجعل كل منهم يخلق المشكلات للآخرين، حتى سقطت هيبتهم جميعاً، وبذلك سقطت هيبة الدول التي كنا نؤخذ بها ونسحر