/صفحة 329/
وصعدت وصوبت، ثم أخلفت ما وعدت، وأخدجت ما ولدت حين انقطعت، وعلى ذكر الذنب والمشفر اقتصرت ولو كنت تعرف شيئا من قوانين الكلام وأنواع المنطق ورسومه لم تحرف القول عن جهته ولم تضعه في غير موضعه، أما علمت يا عاجز أن مثل هذه الفاتحة إنّما تجعل مقدمة لأمر عظيم الشأن فائت الوصف متناهى الغاية في معناه كقول الله تعالى "الحاقة ماالحاقة وما أدراك مالحاقة" و"القارعة ماالقارعة وما أدراك ماالقارعة" فذكر يوم القيامة وأتبعها من ذكر أوصافها وعظيم أهوالها مالاق بالمقدمة التي أسفلها وصدر الخطبة بها فقال "يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش" إلى آخر السورة وأنت علقت هذا القول بدابة يدركها البصر في مدى اللحظة ويحيط بمعانيها العلم في اليسير من مدة الفكر، ثم اقتصرت من عظيم ما فيها من العجب على ذكر المشفر والذنب، فما أشبه قولك هذا ألا بما أنشدنيه بعض شيوخنا لبعض نظرائك.
وأنى وأنى ثم أنى وأننى *** اذا انقطعت نعلى جعلت لها ششعا
أىّ صغير ما أتيت به في عجز كلامك من عظيم ما أصميته في صدره، ويسير ما رضيت به في أخره من كثير ما أنميته في أوله، واذ قد دلتك فيالة رأيك وسوء اختيارك على معارضة القرآن بذكر الفيل وأوصافه فهلا أتيت بما هو أشف قيلا، وأشفى وأجمع لخواص نعوته وأوفى، فتذكر ما أعطيته هذه البهيمة العجماء من الذهن والفطنة التي بها تفهم سائسها ما يومىء به إليها من تدبيره، وهلا تعجبت وعجبت من ذلك من حسن مواتاتها وطاعتها له اذا أغراها، وقرب ارتداعها اذا زجرها ونهاها، وهلا قرنت إلى ذكر مشفرها ذكر نابيها اللذين بهما تصول وبسنانهما تطعن وتجرح، وكيف أغفلت أمر أذينها العريضتين اللتين تلحفهما وجهها، وتذهب بتحريكهما البق رالذباب عن صماخيها وعينيها، وبهما تروح على نواحى رأسها، وكيف لم تفطن لموضع التدببير من قصر رقبتها