/صفحة 330/
واندماج عنقها فانها لو طالت لم تقلّ رأسها ولأوهنها ثقل حمله فاذ قد منعت امتداد العنق فقد عوضت به انسدال المشفر لتتناول به من وجه الأرض حاجتها من القوت والعلف وتدلو به شربها من الماء وتملأكالسقاء فتنضح به أعضاءها اذا شاءت ثم قد منعت البروك بأن لم تجعل لها مفاصل تنثنى، ولو أنها بركت لم تقدر على النهوض اذا ليس لها عنق تتطاول به كالبعير الذي يهنع بعنقه وينبعث ويثور فيما يشبه هذه الأمور من نعوت خلقها، وعجائب تركيبها".
ومن هذه المعارضات ما حكى عن بعضهم من قوله: "الم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى بين شراسيف وحشى" ولم تنسب هذه المعارضة في أكثر الكتب، ونسبها الطبرى لمسيلمة، وقال أنه قالها في حضرة سجاح ومما قال في حضرتها "إن الله خلق النساء. . . . وجعل الرجال لهن أزواجا. . . " فلما أتم هذه الكلمة على أفحش ما تتم به الكلمات قالت له: أشده أنك نبى!
ولا أدرى لماذا اقتصر الوحى في حضرة سجاح على ما يتعالق بالزوج والنكاح والحمل والوضع؟
وهل يمكن أن نفهم من هذه الكلمة (أشهد أنك نبى) بعد أن قرأ لها وحيه الواصف لما يكون بين الرجل والمرأة أن الرواة لم يقصدوا إلا إلى السخرية والتهكم، وإظهار ظبيعة المرأة الغالبة عليها حتى في أحرج الأوقات، وأكثرها حاجة إلى الجد والصرامة.
فهل كان مسيلمة عابثا وهو يدفع الآلاف المؤلفة من قومه إلى أتون الحرب، وهل كانت سجاح عابثة كل همها أن تجد رجلا يتزوجها؟!
لعلها لم تجد في قومها نبيا يكون كفئا لها فبحثت عن مسيلمة حتى وجدت كفئها! أن الوضع جد ظاهر في كل ما يتصل بأمر اجتماع هذين المتنبئين، وهو يرشد إلى الوضع قى بقية المعارضات.
ثم نعود إلى قصة الحملى، ونقد الخطابى لها، قال: أن أول ما غلط فيه هذا الجاهل أنه وضع كلمة الانتقام في موضع كلمة الأنعام حين قال: ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى. وأنما تستعمل هذه اللفطة في العقوبات ونحوها كقوله: "الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل" وإنما وجه الكلام مما رامه من المعنى أن يقول: ألم تر إلى ربك كيف لطف بالحبلي… وكيف أنعم عليها، أو نحو هذا من الكلام الذي يجرى مجرى الامتنان والأنعام(1). . .
من بحوث مجمع اللغة العربية(2)