/صفحة 328/
فيه، وماذا ينقص نبوته أن يترك قومه المجع!
ان المجمع هو أكل التمر ثم شرب اللبن عليه، أو عجن التمر باللبن، وهو طعام ما أظن العرب تركوه وقد أمكنهم، وهو ـ ولا شك ـ أفضل من المذق (خلط اللبن بالماء) فكيف اعتلت طبائع هؤلاء الناس وانحرفت أمزجتهم فحرموا المجع، وحللوا المذق فجاء مسيلمة برسالته ليردهم عن هذا الوضع المقلوب؟! ولا غرو فالرجل كما يقول أرسل في محقرات الأمور!
ولكن كيف يعفى أتباعه من تعاليم الإسلام، ويجرم عليهم خلط اللبن بالماء؟! ويشغل باله التحريم حتى يوحى إليه فيه بقرآن يبتدى بالقسم وينتهى بهذا الحكم العظيم. !
واذا كانت المعارضة الأولى تدرجت إلى أمر عظيم، وجاءت مؤكدة أن قوم مسيلمة فضلوا على أهل الوبر والمدر، فان المعارضة الثانية تدرجت إلى أمر عظيم أيضا، وهو تحريم المذق، وتحليل المجع!
ومن هذه المعارضات "الفيل، ما الفيل، له ذنب وبيل، وخرطوم طويل" وفي رواية الخطابى "الفيل وما الفيل، وما أدراك ما الفيل، له مسفر طويل، وذهب أثيل، وما ذاك من خلق ربنا بقليل" وقد نسبها الرافعى لمسيلمة، ونسبها الخطابى لمجهول، ولعل هذا الاختلاف في الرواية هو من اختلاف القراءات!
وقد أحسن مسيلمة حين جمع بين القول في الضفدع والقول في الفيل، وكيف لا؟ وأحدهما بحرى والآخر برى، وأحدهما حيوان ضخم كبير والآخر صغير لا يكدر ماء ولا يمنع شاربا "والعجب من هذا النبى الذي يقول في الفيل، وقد وصف نفسه بأنه أرسل في محقرات الأمور، كأن الفيل شيء تافه صغير، وإن قال هو غير ذلك حين أعلن أنه ليس من خلق ربنا بقليل.
وقد تفنن الخطابى في نقد هذه المعارضة حيث قال: "يقال لصاحب الفيل، يا فائل، افتتحت قولك بالفيل ما الفيل، وما أدراك مالفيل، فهوّلت وروعت،