/صفحة 326 /
جانب، وقد سأله قومه ما وعد به، فقال: أما الدين فلا دين، قاتلوا عن أحسابكم.
فأي إيجاز، وأي قوة، وأي إيجاء وتحميس، أقوى من هذا، (قاتلوا عن أحسابكم).
الثالثة: وإن كانت دون الكلمتين السابقتين في قوتها إلا أن عليها سمة الوجازة في مقام يستدعى التطويل، كتب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من مسيلمة رسول الله إلى محمد بن عبد الله. أما بعد فإني قد أشركت معك في الأمر، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشاً قوم يعتدون.
وقد روى صاحب الأغاني في ترجمة الأغلب العجلي صورة هذه الرسالة ـ وهي مشهورة عن مسيلمة ـ رواها لسجاح على أنها من قرآنها الذي أنزل عليها. والمنصف لا يشك في أن صاحب هذه الكلمة الموجزة الصارقة ليس صاحب هذه المعارضات الركيلة المسهبة في بعض الأحايين.
وبسبيل من ذلك أن نقارن بين ما روي عن طليحة الأسدي من معارضة للقرآن وبين ما جاء في كتب التاريخ من اعتذاره لسيدنا عمر عن قتله رجلين من كبار الصحابة.
روى سهل بن يوسف قال: أخذ المسلمون رجلاً من بني أسد فأتى به خالد بالغمر ـ وكان عالماً بأمر طليحة ـ فقال له خالد: حدثنا عنه، وعما يقول، فزعم أن مما أتى به (والحمام واليمام والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغ ملكنا العراق والشام).
وجاء في الطبري(1)، أن طليحة وفد على عمر ـ وكان طليحة قد أسلم ـ فقال له عمر: أنت قائل عكاشة وثابت ـ يريد عكاشة بن محصن وثابت بن أكرم ـ وهما سيدان من سدات المسلمين وفارسان من فرسانهم ـ والله

ــــــــــ
(1) تاريخ الطبري ج3 ص239.