/صفحة 325 /
والذاريات قمحاً، والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً والخابزات خبزاً والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً، أهالة وسمناً، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والعتر فآووه والباغي فناوئوه) وقوله: (والشاء وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء، واللبن الأبيض إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فمالكم لا تمجعون).
ونلاحظ في المعارضة الأولى الاستقصاء الذي لا يعرفه إلا أهل الصناعة من محترفي الكتابة، أما العربي الأول فما أظن أن يبلغ به التتبع والاستقصاء هذا الحد الذي نراه في هذه المعارضة فيبتدئ ببذر الزرع وينتهي بلقم الثريد، وما بقي عليه، إلا أن يختم عبثه بالخاتمة الطبيعية لهذا الترتيب!.
وطبيعة العربي تميل ميلاً شديداً إلى الايجاز، وما كان يخفي على مسيلمة سر قوة الكلام، وضرورة حذف الفضول طبعاً ونحيزة.
وقد وجدت في كتب التاريخ والسير كلمات لمسيلمة ـ غير ما عارض به القرآن ـ كلها موجزة غاية الإيجاز، مع قوة وفصاحة.
الأولى: قوله لسجاح التميمية حين اجتمعت به: هل لك أن أتزوجك فآكل بقومي وقومك العرب.
وهذه الكلمة تدل على مكان الرجل من الفصاحة وسعة الحيلة، وحسن البصر بالأمور، وجميل التأتي لما يريد وهل أوقع في نفس سجاح، وأكثر تأثيراً في نفوس قومها من أن يخيل لها أنه سيأكل بقومه وقومها العرب، وهل كانت تقصد سجاح غير هذا? وهل كان يقصد من أتبعوها إلا أكل العرب والاستيلاء عليهم.
فإذا قارنا بين كلمته هذه، وما شعر به لسجاح وجدنا فارقاً كبيراً في الأسلوب وفي الروح.
هذه الكلمة صادرة عن نفس جادة حازمة تتطلب أمراً عظيماً، أما الشعر فصادر عن نفس ما جنة عابثة لا تدرك ما وراء هذه المغامرة من المخاطر.
الثانية: قوله حين استحر القتل في قومه، وأخذتهم سيوف المسلمين من كل