/صفحة 320 /
ثالثاً ـ القول بأن معجزات الأنبياء كانت بعد الاقتراح عليهم قول للنظر فيه مجال، ولا ننكر بأنه يصادف الاقتراح أحياناً، مع إذن الله وإرادته، فيأتي النبي بمعجزة بإذن من الله، أما أنه لم يكن معجز ما لم يكن مسبوقاً بالاقتراح وسبق الاقتراح شرط في صيرورة المعجز معجز فلا. لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشبع يوم الدار أربعين نفراً من طعام قليل وجعل هذا معجزاً له وهو لم يقترح عليه.
والقرآن من أعظم معجزات النبي ولم يقترح عليه نعم اقترحوا عليه أن ينشق القمر ليلة البدر فانشق القمر ولما رأوا هذا قالوا سحر مستمر. وصار الكليم عليه السلام مأموراً بإدخال اليد في الجيب وإخراجها بيضاء وإلقاء العصى وصيرها الله ثعباناً، وأحيا الله تعالى لعزيز النبي الوفا من الموتى وأحيا لإبراهيم عليه السلام الطيور الأربعة وصير النار عليه برداً وسلاما ولم تكن واحدة منها مسبوقة بالاقتراح.
وليس معجزات الأنبياء صلوات الله عليهم من قبيل الصناعات البشرية حتى تصير ملكة للصانع يفعلها مهما شاء وأراد.
نعم يمكن أن يكون لرجل صنعة أو مهارة في عمل لا يقدر عليه غيره، ويستبد هو برموزه وفنونه كما نسب إلى المتنبي الشاعر من قدرته على دفع المطر عن نفسه ولكن كان هذا العمل معروفاً عند أهل البدو من ساكني صحاري الشام فلا يصير مثل هذا معجزاً إذا كان بأسباب عادية، وخوارق العادات التي تكون للأنبياء لا تكون مسبوقة بالأسباب ـ والاختصار لا يقتضي التفصيل في ذلك.
الجهة الثانية:
في نقد الآيات والأحاديث التي استدل بها الكاتب على مراده.
فأما الآية التي جعلتم أيدكم الله الأصل في قصة الإسراء وعنونتم كلامكم بها حيث قلتم (رؤيا الإسراء) وهي قوله تعالى في سورة الإسراء: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن).
فقد نقل في تفسيره أقول.
أحدها أن المراد بالرؤيا الرؤية بالعين ليلة الإسراء ولما كان بالليل سماها رؤيا وهذا منقول عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد.