/صفحة 297/
في سلاسة لغتها، ووضوح مرادها، واستقامة خطتها؛ فكان ـ في هذه المزايا ـ بعضها (كشرح ابن عقيل والمفصل)، أوفر نصيباً، من بعض آخر (ككتاب سيبويه وشروح الكافية).
وما ظنك بلغة علمية تقوم ـ في أكثر حالاتها ـ على مجافاة الأسلوب الأدبي العذب وينسى أصحابها أن لغة " العلوم" ـ وإن تفردت بخصائص تناسبها وتميزها من لغة الآداب الخالصة ـ لم تقطع صلتها بالنواحي الأدبية ولم يقم بين الاثنين حجاز قويّ يحول بين لغة العلم القاسية المرهقة والاستفادة من أختها الأدبية المحببة بالقدر الذي لا يطغى فيه الأدب على العلم فيخفى بعض حقائقه، أو يشوهها أو يحرمها نصيبها من الدقة الصارمة، والتمحيص الأكمل.
ومن أجل ذلك اشتهر النحاة بلغتهم المتميزة التي تدل عليهم ويعرفها أهل البصر بالآداب. ومن ثم كان لابد للمتن من شرح يفك رموزه، ويوضح ابهامه، ويفصل مجمله، ويزيده بعض مسائل. وللشرح حاشية تزيل غموضه، وتتناول بالتصويب أو التخطئة بعض ما فيه، وتكمل بعض قواعده. وللحاشية " تقرير" هو بمثابة حاشية للحاشية.
نعم من خصائص اللغة النحوية الإيجاز والاختصار الذي يبلغ مبلغ الأحاجي والرموز فيما يسمونه المتون. ولا سيما المنظوم منها. ومن الإنصاف أن نعترف بما لتلك المتون من مزايا جليلة. ولكن تلك المزايا تتحقق في عصور خاصة غير عصرنا القائم. كانت تتحقق يوم كان المتعلمون فارغون لها، منقطعون لحفظها، ودرسها وفك طلاسمها بملازمة أستاذيهم وعلمائهم، والرجوع إليهم وإلى الشروح والتقارير، يوم كانت الحياة هادئة، ومطالب العيش محدودة، والقناعة غالبة، وسنُّ الطلاب كبيرة، وتقربهم إلى الله بإتقان هذه العلوم واحتمال متاعبها قوياً.
أما اليوم فلا شيء من ذلك كله، فالحاجة إلى النحو ليست في المرتبة الأولى لكثير من الناس وطلاب الدراسات العالية (الطب والهندسة. . . ) وإنما هي حاجة