/صفحة 291 /
فذاك إما لأنه متأثر بخصائص الطفولة التي تقف عند حد المحسوس. وإما لأنه قد شق عصا الطاعة على من ادعى لنفسه العصمة والحكمة من أولئكم الذين انتسبوا إلى الدين ورسالة السماء وعاند في عصيانه وانكاره، وإلا فكثير من الذين ينكرون الإيمان بالله الذي لا تدركه الأبصار، يؤمنون بالإنسانية أو بالطبيعة الكبرى، يؤمنون بالعلم وبالمجتمع كآلهة أو كمعبودات يجب على المؤمن بها أن يفنى في محرابها. والإنسانية لا ترى ولا تدرك، والمجتمع لا يرى ولا يدرك. وإنما الذي يدرك من كليهما هو أفراد الإنسانية وأفراد المجتمع. والعلم كذلك لا يرى ولا يُدرك وإنما الذي يُدرك منه مظاهره وآثاره، والطبيعة الكبرى لا تدرك أيضاً وإنما الذي يدرك منها بالحس جزئياتها المنثورة.
وإذا قلنا إن الإيمان بالله يدفع المؤمن به إلى بلوغ المستوى الإنساني الفاضل عن طريق الخشية منه أو التقريب إليه ـ فذاك لأن الناس في حياتهم يسلكون مسلكا مبعثه إما الخشية وإما المحبة والرغبة. وهذه طبيعة الإنسان لا تتخلف مهما امتد به العمر، ومهما مرت عليه فترات طويلة من فترات تطوره.
(ج) الكفاح:
وثالث هذه القيم الكفاح في سبيل تحصيل المستوى الإنساني الرفيع: وهو الذي يقوم على الاحتفاظ بالمسئولية الفردية وعلى الإيمان بالله " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين" . فالقتال هنا جعل عنواناً للكفاح الذي يتمثل في عدة صور، قد تكون صورة الاشتباك المسلح هي الصورة الأخيرة منه، فهذه الآية وضحت أمرين؛ وضحت أولا أن وظيفة الإنسان في الحياة هي الكفاح في سبيل الله، وسبيل الله هو سبيل الإيمان به، وسبيل الاحتفاظ برسالته التي جاءت لتوقظ وعي الإنسان بمسئوليته الفردية أو قامت على إيقاظ وعي الإنسان بهذه المسئولية الفردية التي قد رأينا حدود المشيئة والحرية التي صاحبتها في التعاون الأخوي بين الأفراد بعضهم مع بعض.
الأمر الثاني: أن على الإنسان أن يعد نفسه للكفاح في أعنف صورة له، وهي صورة القتال والاستشهاد.