/صفحة 290/
يدفع المؤمن إلى السلوك نحو المستوى الإنساني المهذب. ويدفعه نحو ذلك إما عن طريق الخشية من الله والخوف من عقابه، وإما عن طريق التقرب إليه باحتذاء صفاته من القوة والعلم والكمال. إذ الذي يعبد الله ويتقرب إليه يتقرب إليه ليكون على نحو قريب منه ومما هو عليه: والله له الخلق والسيادة، وله الإحاطة في العلم، وله المنتهى في الكمال والجلال. والمتقرب إليه إنّما يتقرب إليه بالسعي نحو القوة، ونحو العلم، ونحو الكمال. والقوة والعلم والكمال هي المستوى الأخير في التطور الإنساني. وهي الخط الواضح بين الإنسانية وصور الكائنات الأخرى التي تنمو مثل نموه، وتتحرك مثل حركته من نبات وحيوان. وليس هناك مما يدفع الإنسان نحو المستوى الإنساني بديل عن الإيمان بالله. فالإيمان بالمجتمع، أو الإيمان بالطبقة الكبرى، أو الإيمان بالقانون، أو الإيمان بالمثل العليا التي خطها تصور الإنسان لا يسد فراغ الإيمان بالله في حياة الإنسان. فالمجتمع يتغير والطبقة الكبرى تتغير، والقانون يتغير، والمثل العليا تختلف في التحديد. وهذا التغيير والاختلاف يسبب هزات في دفع الإنسان نحو ما يؤمن به عن طريق أي واحد منها.
ولو ان الله يُرى ويدرَك بالأبصار لكان شأن الإيمان به شأن الإيمان بهذه الأمور التي تتغير وتختلف، فيهتز الدفع عن طريقه نحو المستوى المنشود.
حتى " العلم" لا يستطيع أن يكون بديلا عن الإيمان بالله في حياة الإنسان، لأنه متغير ومتطور من لحظة إلى أخرى. ونتائجه التي تؤكد اليوم من العلماء تنقض غداً بفعل الاختبارات والتجارب. وسيظل " العلم" له خاصية التغير ويخضع لعامل التطور، لأن الذي يعلم ويقنن ما يعلم هو الإنسان، هو ذلك الكائن الذي تحده البيئة والحياة التي يعيش فيها، وتحده الأجواء التي نشأ وتربى فيها، وتحده مصادر التوجيه التي وجه في الحياة بمقتضاها.
وإذا كان بعض الناس اعتاد في إيمانه أنه لا يؤمن إلا بالمحسوس المشاهد،