/صفحة 292/
وما ذكرته بقية الآية من قوله تعالى " ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" يؤكد أن إيقاظ معنى الكفاح في حياة الإنسان كقيمة من القيم لا يقصد منه بحال الغزو ولا الاعتداء، وإنما يقصد منه صيانة المستوى الإنساني الفاضل، كما يقصد منه دفع العدوان وتحقيق السلام.
* * *
وهكذا الإنسان في نظر تراثنا الروحي مسئول مسئولية أدبية وخلقية ومدنية وسياسية على السواء عن تصرفاته وسلوكة. وله حرية ومشيئة تجعله مستقلا عن غيره ومرتبطاً به في الوقت نفسه. وهو كذلك ليس إنساناً سلبياً مستسلماً في الحياة، بل له إيجابية تتمثل في كفاحه وسعيه الذي قد يصل به إلى حد التضحية بماله وولده ونفسه والاستشهاد في سبيل ما كافح من أجله.
الإنسان في نظر هذا التراث الروحي مكافح ومتّق، يكافح في سبيل القيم، ويتقي السيئات ويتجنبها لتتمثل فيه هذه القيم. شخصيته شخصية واحدة. مظهره كمخبره. في سلوكه العملي تتحقق القيم بتقواه وفي سيره وحركته يصارع من أجل هذه القيم ورد الاعتداء عليها.
الإنسان في نظر هذا التراث الروحي لا يعرف السلبية ولا التواكل، ولا يعرف الانفصالية عن المجتمع. هو إنسان ساع ومتعاون. إنسان له حركة تدفع وتصون: تدفع الاعتداء وتصون السلام.