/صفحة 289/
وفي تصوير هذه المسئولية تصويراً واضحاً جاء الحديث الشريف " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" .
وهذه المسئولية الفردية في نظر الإسلام إن استتبعت الحرية الشخصية والمشيئة الفردية في القول والعمل ـ فإنها من جانب آخر تحدد هذه الحرية، وتحدد مشيئة الفرد وإرادته، لأن استقلال الفرد الناشئ عن هذه المسئوليه ليس استقلالا تاماً، بحيث يجعله في عزلة كاملة عن فرد آخر في جماعته، وإنما هو استقلال محدود أو مشروط. محدود بصالح الغير، ومشروط برعاية المنفعة الجماعية العامة. ومن أجل هذا يقول الله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" . فأمر بالتعاون وجعل دائرة التعاون البرَّ، وهو الصالح العام والمنفعة الجماعية، كما جعلها التقوى وهي ترك ما يسئ إلى الجماعة وإلى الروابط العامة بين الأفراد بعضهم مع بعض. وإذن المشيئة الصادرة عن المسئولية الفردية ليست مشيئة تامة، وإنما هي مقيدة على نحو ما أشرنا.
وبهذا ـ أو بناء على الأمرين معاً ـ على إيقاظ الوعي بالمسئولية الفردية، وعلى ربط مشيئة الإنسان وحريته بصالح الجماعة والمنفعة العامة ـ كان الإنسان في نظر تراثنا الروحي وسطاً بين طرفين متقابلين: بين نظرة تربطه بالمجتمع وتجعله تابعاً له تمام التبعية، ونظرة أخرى تجعله طليقاً ـ وبالأخص في جانب الملكية الفردية ـ لا يحدّ نشاطه نوع الوسيلة التي يستخدمها في هذا النشاط ولا حدود من رعاية الروابط العامة بين الأفراد. وكانت الامة التي قامت وتأسست على وعي الفرد بمسئوليته الشخصية وعلى تقييد مشيئته بالصالح العام ـ أمة وسطاً، وخير أمة يمكن أن تكون بين الناس، " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس" . " كنتم خير أمة أخرجت للناس" .
(ب) الإيمان بالله:
وثاني هذه القيم الإنسانية الإيمان بالله. وهو الإيمان بمن لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير. والايمان بالله قيمة من القيم لأنه