/صفحة 287/
بتعبئة " الروح" في الإنسان وتوجيهها في تفكيره الشخصي والجماعي، وفي سلوكه الشخصي والجماعي معا.
وإذا درج بعض الكتاب على تصوير الشيء المنسوب إلى " الروح" بأنه قريب من " الفردي" و" الشخصي" ولا صلة له بالجماعة والعلاقات العامة ـ فمنشأ ذلك ما اصطنعه " العقد" الذي قام بين الكنيسة والدولة بعد الثورة الفرنسية من " انفصالية" بين سلطتين. سمى إحداهما بالسلطة الزمنية وهي السلطة السياسية أو الدولة، وسمى الثانية بالسلطة الدينية أو سلطة الكنيسة والبابوية. وجعل اختصاص السلطة الزمنية أو الدولة يقع على " جسم" الإنسان ـ بينما جعل منطقة السلطة التي تمارسها الكنيسة أو البابوية هي " روح الإنسان" . وبناء على هذه الانفصالية في تخطيط مناطق النفوذ وتحديدها بين " القوتين" اعتاد القارئ الأوربي بعد ذلك أن يفهم من " الروحية" ما لا يتصل بالعلاقات العامة وهي ما تسمى بالعلاقات المدنية، ويفهم من " المدنية" أو السياسية ما لا يتصل " بالروحية" التي فيها تمارس الكنيسة نشاطها باسم السلطة الدينية أو باسم الحكومة الإلهية، أي الحكومة التي يقوم بها البابا في الأرض نيابة عن الله في السماء. وهي سلطة معصومة من الخطأ في القول والفعل. والانسان الفرد أصبح مقسما إلى قسمين: يقع بجسمه في منطقة نفوذ الدولة أو السلطة السياسية. ويقع بروحه في منطقة نفوذ الكنيسة. ويدين لذلك بالولاء إلى سلطتين قد تحتك إحداهما بالأخرى، ولابد أن تحتك بل وتصطدم إحداهما بالأخرى. لأن الاثنينية في الوجود دائماً وأبداً مصدر الاحتكاك والاصطدام وسبب تنازع البقاء.
وهذا الذي اصطنعه " العقد" من انفصالية بين الكنيسة والدولة أو بين " الروحية" و" المدنية" لا يستطيع ان يصطنع مثل هذه " الانفصالية" في من واقع الأمر في مجال " الروحية" نفسها ـ بالمعنى الذي شرحناه ـ بين الفردية والجماعية. فقد وجدنا كيف ينعكس السلوك الفردي على الجماعة، وبالعكس. وكذلك ينعكس تفكير الفرد على الجماعة كما يؤثر تفكير الجماعة على تفكير الفرد ـ وسلوك الإنسان وتفكيره هما أبرز ما يصور " روحية" الإنسان أو " إنسانيته" .