/صفحة 286/
وليست أمراً خاصاً يدور في محيط شخصي صرف عديم الصلة تماماً بالمحيطات الأخرى التي لأغياره من جماعته.
ومن هنا ليست هناك " انفصالية" بين الفرد والجماعة، وليس هناك سلوك فردي وسلوك جماعي إلا بمقدار ما تتحقق رغبات الفرد أو مصلحة الجماعة في هذا السلوك. وكل سلوك فردي له صلة أي صلة بالجماعة، وكل سلوك جماعي له صلة أي صلة بالفرد والشخص.
لنأخذ مثلا خلق: الصدق. خلق الصدق يعتبر في نظر الأخلاقيين فضيلة فردية، ولو استعرضنا صور الصدق لوجدنا أنه صدق في القول، صدق في التعبير، صدق في الرواية، صدق في تبليغ الرسالة. والانسان إذا قال، أو عبر، أو روى وحكى أو بلغ رسالة ما ـ فإنه يقول ويعبر ويحكي ويروي ويبلغ غيره. أي هناك غيرٌ معه في مباشرة فضيلة الصدق. وهذا الغير يقع عليه تأثير هذه الفضيلة.
ولنأخذ أيضاً خلق المساعدة. وخلق المساعدة خلق جماعي في نظر الأخلاقيين كذلك ـ وفي تحليله إلى عناصره نجده عبارة عن أن فرداً تقدم بعون أدبي أو عيني إلى غيره معه ـ هناك إذن فرد صدر منه عون ما وآخر وقع عليه هذا العون. ولو لم يكن هذا الفرد الذي صدر منه العون مؤهلا أو متخلقاً بخلق " المساعدة" لما صدر عون، وبالتالي لما كان هناك من يقع عليه العون. فالخلق الجماعي هو خلق فرد في انبثاقه وصدوره، وكان له الطابع الجماعي لأن أثره كان واضحاً في " الغير" . وإذا سمى الأخلاقيون بعض أنواع السلوك بالفردية والبعض الآخر بالجماعية فليس معنى ذلك أن هناك عزلة تامة وانفصالا كاملا بين هذا وذاك. وإنما فقط أثر هذا يعود غالباً على الفرد، وأثر ذاك يعود غالباً على " الغير" ـ وهو الجماعة ـ ولذا قيل: الصدق منج أي للصادق في المرتبة الأولى، ولكنه حتما يكون أيضاً منجياً للغير ولكن في المرتبة الثانية.
ونعود الآن إلى القول بأن تراثنا " الروحي" في نسبته إلى " الروح" لا يعني به التراث الخاص بالفرد في محيطه الشخصي وحده. وإنما هو القيم التي تتصل