/صفحة 263/
آل الرسول على الهلاك من الجوع والعطش انهالوا عليهم رمياً بالسهام ورشقاً بالحجارة وضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح، ولما سقط الجميع صرعى قطعوا الرؤوس، ووطأوا الجثث بحوافر الخيل مقبلين ومدبرين، وبقروا بطون الأطفال، وأضرموا النار في الأخبية على النساء. فجدير بمن وإلى وشايع نبيه الأعظم وأهل بيته أن يحزن لحزنهم، وأن ينسى كل فجيعة ورزية إلا ما حل بهم من الرزايا والفجائع معدداً مباقيهم ومساوئ أعدائهم ما دام حياً.
حين نكث يزيد ثغر الحسين بالقضيب قال له رسول قيصر المسيحي: " إن عندنا في بعض الجزائر حافر حمار عيسى عليه السلام نحج إليه في كل عام من الأقطار، ونهدي إليه النذور، ونعظمه كما تعظمون كتبكم، فاشهد إنكم على باطل" . لقد شاء الله وقدر أن تكون حادثة كربلاء أعظم وأخلد من كل حادثة عرفها التاريخ كما أنها أفجع وأوجع مأساة مرت وتمر على وجه الأرض.
إن الحسين عند شيعته والعارفين بمقاصده وأهدافه ليس اسماً لشخص فحسب، وإنما هو رمز عميق الدلالة، رمز للبطولة والانسانية والأمل، وعنوان للدين والشريعة، وللفداء والتضحية في سبيل الحق والعدالة، كما أن يزيد رمز للفساد والاستبداد والتهتك والرذيلة، فحثما كان ويكون الفساد والفوضي وانتهاك الحرمات وإراقة الدماء البرئية والخلاعة والفجور وسلب الحقوق والطغيان، فثم اسم يزيد وأعمال يزيد، وحيثما كان ويكون الثبات والإخلاص والبسالة والفضيلة والشرف فثم اسم الحسين ومبادئ الحسين، وهذا ما عناه الشاعر الشيعي من قوله:
كأن كل مكان كربلاء لدى عيني وكل زمان يوم عاشورا
فإحياء بطولة الحسين وجهاده ومبدأه إحياء للحق والخير والحرية، والتضحية من أجلها بالنفس والأهل والأصحاب، واحتجاج صارخ على الحاكم الظالم وأعوانه، وعلى كل مسرف يعبت بمقدارات الشعوب، ويفرق في لهوه وملذاته وينطلق مع شهواته ومآثمه كيزيد وأعوان يزيد.