/صفحة 260/
وما قال الآخر:
أنا وإن كرمت أوائلنا لسنا على الآباء تتكل
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا
قال قس بن ساعدة. لأقضين بين العرب بقضية لم يقض بها أحد قبلي، ولا يردها أحد بعدي: أيما رجل رمى رجلا بملامة دونها كرم فلا لؤم عليه، وايما رجل ادعى كرماً دونه لؤم فلا كرم له.
وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها كل كرم دونه لؤم فاللؤم أولى به وكل لؤم دونه كرم فالكرم أولى به.
تعني أن أولى الأشياء بالإنسان طبائع نفسه وخصالها فإذا أكرمت فلا يضره لؤم أوليته وإن لؤمت فلا ينفعه كرم أوليته.
والمساواة موضع غلط عند كثير من الناس في هذا العصر وفي كل عصر فمن الناس من يرى ان المساواة أسقاط أقدار ذوى الأقدار ومروءات ذوى المروءات وأهدار الكفايات وتسويتهم بمن لا قدر له ولا مرؤءة ولا كفاية في المعاملة وعدم الاحترام، وهذا جهل بحقائق الأمور ضار بالأمة التي يشيع فيها هذا الجهل فإنه إذا لم تقدر الامة خدامها والذين أحدثوا أحداثاً نافعة فيها دعا ذلك إلى وأد العاملين والاقلال ممن يقدم خدمات للأمة فإن أعظم مكافأة للعامل هي أن تعرف الأمة له هذه اليد وظهور ذلك في احترامه وإجلاله.
لقد كان العرب في جاهليتهم أصدق نظراً في هذا الموضوع فكانوا يسودون من يحمى العشيرة ويدفع عنها الأذى ويحمل الكل ويكسب المعدوم ويعين على نوائب الدهر فكثر المسودون ولكن الأمة التي لا تقدر خدامها لا تخلق فيها من يسود.