/صفحة 251 /
الكريم: هبها لي، ولك مثلها في الجنة، فأبى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مضار، ثم قال للمالك اذهب فأقلع نخله" .
وهذا الحديث وإن كان في غير الأراضي هو يدل على أن دفع الضرر أمر مقرر في الإسلام.
ولقد كان عمر يسير على نهج النبي صلى الله عليه وسلم في حماية كل ما يكون فيه نفع عام في الأراضي، فقد جعل أرضاً بالرّبذة، وجعل كلأها لكل المسلمين، وجاء أهلها يشكون قائلين: " يا أمير المؤمنين أرضنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها، عَلامً تحميها، فأطرق الأمير العادل وقال " المال مال الله. العباد عباد الله، والله لو لا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبراً في شبر" .
ولقد كرر هذا المعنى لواليه الذي أرسله، فقد قال له:
" اضمم جناحك على الناس، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة، وأدخل رب الصريحة والغنيمة (1)، ودعني من نعم ابن عفان، ونعم ابن عوف، فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع، وإن هذا المسكين إن هلكت ماشيته جاءني ببنيه يصرخ: " يا أمير المؤمنين !! أفتاركهم أنا لا أبالك !! فالكلأ أيسر عليَّ من الذهب والورق، وإنها لأرضهم قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، وإنهم ليرون أني ظلمتهم، ولو لا النعم التي يحمل عليها في سبيل الله ما حميت على الناس شيئاً من بلادهم" .
14 ـ وننتهي من هذا إلى أن الأراضي في الإسلام تثبت فيها أمور ثلاثة: أولها ـ أن الملكية المطلقة قد تثبت عليها بحكم الشرع في حال وأن الملكية الناقصة تثبت فيها بحكم الشرع أيضاً في حال أخرى، وأن هذه الحقوق لا يصح الاعتداء عليها، والتغيير فيها ما دام التغيير لا توجبه ضرورة ملجئة، ولا حاجة واضحة، وأن على الدولة أن تحمي هذه الملكية في الحدود التي رسمها الشارع.
ــــــــــ
(1) أي أصحاب الغنم القليلة، والإبل القليلة، فالصريحة الإبل القليلة، والغتيمة الغنم القليلة.