/صفحة 249/
من أيدي واضعي اليد عليها أم لا يجوز إنه بمقتضى الفقه ومنطق التوزيع، يجوز لولي الامر تغيير التوزيع ونزع الأراضي من يد إلى يد، وذلك لأن يد الزراع ليست يد ملك، وهي يد مسلطة من قبل ولي الأمر، ومن يملك الإعطاء يملك المنع، ولكن تصرفات أيام المسلمين تبني على المصلحة الشرعية، وأنه يفرض في كل عمل يعمله مراعاة مصالح المسلمين، وقد كان في التوزيع الأول مصلحة، فلا يجوز العدول عنه إلا إلى مصلحة أقوى من الأولى، وإن وضع اليد الأولى أوجد حقوقاً لأصحاب التوزيع الأول فلا تزال هذه الحقوق إلا لفساد يترتب عليها، ولذلك لا يجوز نزع أرض من واضعي اليد، ولو كانوا غير مالكين للرقبة إلا لمصلحة تترتب على النزع، ويكون ضرر بقاء اليد أكبر من ضرر نزعها، فإن الضرر يزال، والضرر القليل يدفع بالضرر الكبير.
ولقد حفظ التاريخ أن بعض الملوك أراد انتزاع الأراضي من أيدي أهلها بدعوى أنه لا دليل على ملكيتهم لها، أو على وضع اليد الشرعي عليها، وذلك هو الظاهر بيبرس البندقداري، ولكن وقف في وجهه كبير العلماء في ذلك الإبان محيي الدين النووي، وقال له: " إن ذلك غاية العناد، وأن عمله لا يحله أحد من علماء المسلمين، ومن في يده شيء فهو ملكه لا يحل لأحد الاعتراض عليه، ولا يكلف إثباته" وما زال يعظه مرة بالعظات الرفيقة، وأخرى بالعظات الزاجرة حتى كف عن ذلك.
وقد جاء محمد على واستولي على الاراضي المصرية كلها، ونزعها من أيدي واضعي اليد، واتخذ طلب الدليل على وضع اليد الشرعي ذريعة للإستيلاء، فقد طلب إلى كل واضع يد على أرض أن يقدم السند المثبت للملكية، فقدم بعضهم دليلا، وبعضهم لم يقدم ومن قدم دليلا زيِّف أو حرق، وأنتهى الامر بأنه لا دليل، فآلت الملكية ووضع اليد إلى الدولة.
وقد عادت الأراضي إلى حيازة الأهلين في عهد الوالي سعيد بن محمد علي، وكانت حيازة مقيدة، قد أخذت تتسع شيئاً فشيئاً، حتى صدر الأمر العالي