/صفحة 237/
وليعتبر بهذا هؤلاء الأقوام الذين يزعجون أنفسهم ويزعجون الناس بأصواتهم المنكرة وحركاتهم العابثة، وأجسامهم الراقصة الملتوية باسم ذكر الله في الطرقات، في الحفلات الصاخبة بالناي والعود، في المساجد. وقد بلغ العبث بذكر الله الذي وضعه سبيلا لاطمئنان القلوب، واستحضار عظمته أن يعرض في المذياع بالناي والعود تمثيلا لا حقيقة، وتلهية لا تصفية، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم تختم السورة بالإرشاد إلى أن الملائكة مع نهاية شرفهم وسمو مرتبتهم، معترفون بذل عبوديتهم، خاضعون لعز الربوبية لا يخالجهم في عبادتهم كبر، ولا يأخذهم عنها صلف؛ بل هم دائماً يسبحونه وله يسجدون، فما أحوج الإنسان وقد ركبت فيه مبادئ الشهوة والغضب أن يتخذ إلى ربه سبيلا، وما أضعف عقله حينما يتجه إلى الملائكة أنفسهم بالعبادة والتقديس فضلا عن الأصنام والأحجار.
" إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون" .
وهذه إحدى الآيات التي طلب من المؤمنين أن يسجدوا عند تلاوتها أو سماعها وهي أربعة عشر آية في القرآن الكريم، وهذه السجدة المعروفة عند الفقهاء والمسلمين بسجدة التلاوة ـ وهي سجدة بين تكبيرتين تكبيرة لوضع الجبهة على الأرض وتكبيرة للرفع من السجود دون تشهد ولا تسليم، ويشترط لها ما يشترط للصلاة من الطهارة والنية واستقبال القبلة وعلى من أراد تفصيل أحكامها ومعرفة أحوالها أن يرجع إلى كتب الفقه.
والحكمة فيها ـ كما ظهر لنا من الآيات ومواردها نستطيع أن نجملها في هذه الكلمة القصيرة:
هي نوع من التربية العملية الروحية في إعلان التمسك بالحق والإعراض عن الباطل، ومراغمة المبطلين، ولسير في طريق المثل العليا للذين حملهم الله أمانة الحق والدعوة إليه، وبذلك كانت سجدة التلاوة ـ رغم إهمال المسلمين لها