/صفحة 236/
لم تأتهم بآية من الآيات التي يقترحونها " لو لا اجتبيتها" اختلقتها وافتعلتها من تلقاء نفسك كما اختلقت القرآن.
هذا هو الوجه الذي ينبغي أن تفهم به هذه الآية الكريمة، ولا يعجبني تخريجها على أنها تشريع خاص للمؤمنين فيما يختص بتحريم الكلام في الصلاة، أو بالسكوت عند الخطبة، أو بالقراءة خلف الإمام كما يذهب إليه كثير من العلماء، ويجعلونها مثار جدل ونقاش حول هذه المسائل الثلاث، فإنها على أي وجه من هذه الوجوه لا تلتئم مع السياق، ولا مع وقت النزول. والقراءة خلف الإمام سراً أو جهراً من المسائل الجزئية التي تختص بالمؤمنين في صلاتهم، ويبعد كل البعد أن يوكل بيان عدد الركعات والكيفيات الأولى للصلاة إلى بيان الرسول عن طريق الوحي الباطني دون أن يتعرض القرآن لشيء من ذلك، ثم يعني القرآن بخصوص القراءة خلف الإمام سراً أو لا سراً ولا جهراً ؟ فما أبعد هذه الآية عن هذه المسألة، وما أبعد هذه السورة في موضوعها وفي وقت نزولها عن الاهتمام بمثل هذا !!
وبعد أن تأمر السورة بهذا العلاج فيما يختص بالمعاملة وفيما يختص بقراء القرآن تأمر بملاك الأمر كله وهو ذكر الله في القلب بعظمته وجلاله رجاء لثوابه، وترشد إلى أن يكون بهدوء واطمئنان لا بجهر وإزعاج حتى تهدأ الأعصاب ويسبح الفكر في معاني الجلال والجمال، كما ترشد إلى أن يكون ذلك شأنك في كل وقتك " واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال" .
استحضر عظمة ربك من مشاهداتك في سننه الكونية وآثاره العلوية والسفلية، وإنعاماته المادية والروحية؛ فتعرف عز ربوبيته، وتذل أمامها بعبوديتك " تضرعأ وخيفة" اذكر ربك على هذا الوجه هادئ النفس، مطمئن البال، غير مزعج لنفسك، فتفاض عليك لذائذ الأسرار الروحية وتصير ميداناً للفيوضات الإلهية؛ فينبعث منك وإليك الخير، وتكون في مراقبة دائمة. وشهود مستمر " ولا تكن من الغافلين" .