/صفحة 235/
وهذه الآية على قصرها تشتمل كما قال العلماء على مكارم الأخلاق فيما يتعلق بمعاملة الإنسان مع أخيه الإنسان، وأنها سبيل لكل ما تطلبه الإنسانية الفاضلة لأبنائها الأبرار.
ولا يعرف معنى المبادئ الخلقية التي يضعها الإسلام لكل زمان ومكان، ومع كل الجماعات والأفراد حتى الأعداء المحاربين من يرى أن هذه الآية ومثيلاتها مما نسخته آيات القتال. وإن تقرير مبدأ الناسخ والمنسوخ في القرآن الذي رأي به بعض الناس أن مثل قوله تعالى: " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن " كان في صدر الإسلام ثم نسخ لجدير من العلماء الغيورين على العنصر الأول من عناصر الدين وهو عنصر الخلق الكريم بإعادة البحث والنظر.
وبعد أن ترسم السورة للنبي طريق المعاملة على هذا الوجه تضع له ولأمته الوسيلة التي تقيهم شر الخروج عن حدود هذا الطريق " وإمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم "، " إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ".
يهيج الإنسان بطبعه عند الغضب الناشئ عن سفاهة الجاهلين. وواجبه عندئذ أن يتحصن بالله، وأن يرجع بالأمر كله إليه، وأن يذكر عظمته وسلطانه فيطمئن قلبه ويشرق عليه نور الحق، فيتضح له الطريق، ويسير فيما رسم الله ولا يندفع مع نزغ الشيطان ووسوسته " فإذا هم مبصرون" يتمسكون بالحق، ويسترشدون ببصائر الله التي أوحة بها الله التي أوحى بها إلى عبده " هدى ورحمة لقوم يؤمنون" .
ثم توجه إليهم الأمر بالاستماع والإنصات إذا تلى عليهم القرآن، وألا يقولوا كما اعتادوا: " لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه" ولعلهم إذا استمعوا وأنصتوا وقفوا على حقيقته وظهرت لهم أسراره، وعرفوا أنه المعجزة التي لا تطلب بعدها معجزة؛ فيستغنون به عن طلب المعجزات ولا يقولون إذا